الآية (٤٦)
* * *
* قالَ الله عَزَّ وَجَلَّ: ﴿قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ﴾ [سبا: ٤٦].
* * *
انظُرْ إلى إنصاف الله عَزَّ وَجَلَّ في مخُاطَبةِ الخَلْق!.
قوله تعالى: ﴿قُلْ﴾ أي: يا محُمَّدُ مُوجِّهًا الخِطاب إلى هؤلاءِ المُكذِّبين: ﴿إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ﴾ الجُملةُ هذه فيها حَصْر وتَقديرُها: ما أَعِظُكم إلَّا بواحِدة، يَعنِي: ما أَدعوكم دُعاءَ واعِظٍ ناصِحٍ لكم إلَّا إلى واحدة فقط، فـ (أَعِظُكم) هنا مُضمَّنة معنى (أَنصَحُكم)، يَعنِي: أنا أَدعُوكم ناصِحًا لكم وواعِظًا إلى هذه الخِصْلةِ.
وقوله تعالى: ﴿بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا﴾ قال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ: هي [أَنْ تَقُومُوا لله] وعلى هذا فيَكون (أن تَقوموا) في مَوْضِع جَرٍّ عَطْفَ بيانٍ على قوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىَ: ﴿بِوَاحِدَةٍ﴾ يَعنِي: أنه بيَّن هذه الواحِدةَ بقوله تعالى: ﴿أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ﴾ إلى آخِره، و (أَن تَقوموا) هنا المُراد بها: أن تَثبُتوا على الشيء، وليس المُرادُ القِيامَ ضِدَّ القُعود، فهو كقوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: ﴿وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ﴾ [النساء: ١٢٧]، ليس المُراد أن تَقوموا لليَتامى؛ يَعنِي: أن تَقِف له وُقوفًا، وهكذا ﴿أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ﴾ ليس المُرادُ أن تَقِفوا قِيامًا، بل أن تَثبتوا وتَنظُروا في الأَمْر.


الصفحة التالية
Icon