وإنما خوطب أهلُ الكتاب بعنوان الإيمان مع أنه لا يصِح الإيمانُ إلا بما كلَّفوه الآن؛ إيذاناً بأن ما يدّعونه لا يتمّ بدونه.
﴿وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ﴾ بالتفرُّق، والتفريقِ، أو بمخالفة ما أُمرتم به.
﴿إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ﴾ ظاهرُ العداوة، أو مُظْهِرٌ لها، وهو تعليلٌ للنهي أو الانتهاءِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(مع أنه لا يصح الإيمان منهم إلا بما كلفوه) أي: بفعل ما كلفوه الآن؛ إذ إيمانهم بكتبهم وأنبيائهم وحده لا ينفع، ولا يقال له: إيمان صحيح بعد تكليفهم بما بعث به محمد فكيف يخاطبون بـ ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾.
وقوله: (إيذانا) أي: للسامع بأن ما يدعونه إيمانا لا يتم بدونه، وكان المعنى: أن خطابهم بذلك العنوان على حسب دعواهم.
﴿خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ﴾: جمع خطوة بالضم والسكون: ما بين القدمين (١)، أي: لا تسلكوا مسالكه وتطيعوه فيما دعاكم إليه من السبل الزائفة والوساوس الباطلة.
(بالتفرق): " أي في جمعيتكم، على تقدير: أن يكون ﴿كَافَّةً﴾ حالا من الضمير." (٢) وقوله: (والتفريق) في (ق): " أو بالتفريق." (٣)
"أي: في الشرائع، أو في شعب الإيمان، على تقدير: أن يكون حالا من ﴿السِّلْمِ﴾." (٤) (ع)
وفي (ش): " التفرق: أن يصيروا فرقا، يطيع بعض ويخالف آخر، والتفريق: بين بعض الأنبياء والكتب وبعض، أو تفريق المسلمين بإيقاع الفتن بينهم." (٥)
(أو بمخالفة ما أمرتم به) أي: أيا كان.
(ظاهر العداوة): " إشارة إلى أنه من بان اللازم، بمعنى: ظهر." (٦) (ش)
(أو مظهرها) على أنه من أبان المتعدي بمعنى: أظهر. (٧)
_________
(١) ينظر: تهذيب اللغة - باب الخاء والطاء (٧/ ٢٠٦)، المفردات - مادة خطو (١/ ٢٨٨)، مختار الصحاح - مادة خطا (١/ ٩٣).
(٢) مخطوط حاشية السيالكوتي على البيضاوي لوحة (٣٣٩ / ب).
(٣) تفسير البيضاوي (١/ ١٣٤).
(٤) مخطوط حاشية السيالكوتي على البيضاوي لوحة (٣٣٩ / ب).
(٥) حاشية الشهاب على البيضاوي (٢/ ٢٩٥).
(٦) المرجع السابق.
(٧) ينظر: المصباح المنير - مادة بين (١/ ٧٠)، تاج العروس - مادة بين (٣٤/ ٢٩٧).
وقال الإمام ابن عطية في " المحرر الوجيز " (١/ ٢٨٣): " و ﴿مُّبِينٌ﴾ يحتمل أن يكون بمعنى: أبان عداوته، وأن يكون بمعنى: بان في نفسه أنه عدو، لأن العرب تقول: بان الأمر وأبان بمعنى واحد."


الصفحة التالية
Icon