﴿زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا﴾ أي: حسُنت في أعيانهم، وأُشرِبت محبتُها في قلوبهم، حتى تهالكوا عليها، وتهافتوا فيها معرِضين عن غيرها.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(أي حسنت في أعينهم إلخ): " بيان للاختصاص المستفاد من اللام (١)، وإلا فالزينة عام للمؤمن والكافر: ﴿قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ﴾ (٢)." (٣) (ع)
وفي (ز):
" أي: (حسنت) أنث الفعل؛ لإسناده إلى ضمير الحياة، وذَكَّر ﴿زُيِّنَ﴾ (٤) حيث لم يقل زينت؛ لكونه مسندا إلى لفظ المؤنث الغير حقيقي؛ لأن الحياة والعيش والبقاء واحد، فكأنه قيل: زين البقاء، ولا سيما وقد فصل بين الفعل والاسم بـ ﴿لِلَّذِينَ كَفَرُوا﴾ وعند الفصل يحسن تذكير الفعل؛ لأن الفاصل يغني عن تاء التأنيث. (٥)
وجيء بـ ﴿زُيِّنَ﴾ ماضيا؛ دلالة على أن ذلك قد وقع وفرغ، وبـ ﴿يَسْخَرُونَ﴾ مضارعا؛ دلالة على التجدد والحدوث." (٦) أهـ
[قوله] (٧): (معرضين عن غيرها): " هو معنى قول (ك): " لا يريدون غيرها." (٨) حيث زين لهم بحيث قصرت همتهم، ووفر حظهم منها فهم يسخرون إلخ." (٩) (ش)

(١) اللام المذكورة في قوله: ﴿لِلَّذِينَ كَفَرُوا﴾.
(٢) سورة: الأعراف، الآية: ٣٢.
(٣) مخطوط حاشية السيالكوتي على البيضاوي لوحة (٣٤١ / أ).
وقال الطاهر بن عاشور في " التحرير والتنوير " (٢/ ٣٧٤): " وَمَعْنَى تَزْيِينِ الْحَيَاةِ لَهُمْ، إِمَّا أَنَّ مَا خُلِقَ زَيْنًا فِي الدُّنْيَا قَدْ تَمَكَّنَ مِنْ نُفُوسِهِمْ وَاشْتَدَّ تَوَغُّلُهُمْ فِي اسْتِحْسَانِهِ؛ لِأَنَّ الْأَشْيَاءَ الزَّيْنَةَ هِيَ حَسَنَةٌ فِي أَعْيُنِ جَمِيعِ النَّاسِ فَلَا يَخْتَصُّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِجَعْلِهَا لَهُمْ زَيْنَةً كَمَا هُوَ مُقْتَضَى قَوْلِهِ: ﴿لِلَّذِينَ كَفَرُوا﴾ فَإِنَّ اللَّامَ تُشْعِرُ بِالِاخْتِصَاصِ، وَإِمَّا تَرْوِيجُ تَزْيِينِهَا فِي نُفُوسِهِمْ بِدَعْوَةٍ شَيْطَانِيَّةٍ تُحَسِّنُ مَا لَيْسَ بِالْحَسَنِ كَالْأَقْيِسَةِ الشِّعْرِيَّةِ وَالْخَوَاطِرِ الشَّهْوِيَّةِ."
(٤) سورة: البقرة، الآية: ٢١٢.
(٥) ينظر: معاني القرآن (١/ ١٢٥) [ليحيى بن زياد الفراء ت: ٢٠٧ هـ، تحقيق: أحمد يوسف النجاتي وآخرين، دار المصرية للتأليف والترجمة - مصر، ط: الأولى]، معاني القرآن وإعرابه للزجاج (١/ ٢٨١)، الكشف والبيان، للثعلبي (٢/ ١٣١)، الوسيط، للواحدي (١/ ٣١٤)، المحرر الوجيز (١/ ٢٨٤)، زاد المسير (١/ ١٧٦)، مفاتيح الغيب (٦/ ٣٦٧)، البحر المحيط (٢/ ٣٥٣)، الدر المصون (٢/ ٣٧١).
(٦) حاشية زادة على البيضاوي (٢/ ٥٠٩).
وينظر: البحر المحيط (٢/ ٣٥٤)، محاسن التأويل (٢/ ٩٤)، روح المعاني (١/ ٤٩٥)، التحرير والتنوير (٢/ ٢٩٦).
(٧) سقط من ب.
(٨) تفسير الكشاف (١/ ٢٥٤).
(٩) حاشية الشهاب على البيضاوي (٢/ ٢٩٧).


الصفحة التالية
Icon