﴿كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً﴾
ـــــــــــــــــــــــــــــ
﴿كَانَ النَّاسُ أُمَّةً﴾ (١): " لما بين في الآية المتقدمة أن سبب إصرار الكفار على كفرهم هو حب الدنيا، بين في هذه الآية أن هذا المعنى غير مختص بهذا الزمان، بل كان حاصلا في الأزمنة المتقادمة، فإنهم كانوا أمة واحدة على الحق، ثم اختلفوا وما كان اختلافهم إلا بسبب البغي والتحاسد والتنازع في طلب الدنيا." (٢) (ز)
﴿أُمَّةً﴾: " قال القفال (٣): الأمة: القوم المجتمعون على الشاء الواحد يقتدي بعضهم ببعض من الأم." (٤) (ز)

(١) سورة: البقرة، الآية: ٢١٣.
(٢) حاشية زادة على البيضاوي (٢/ ٥١٠).
وينظر: مفاتيح الغيب (٦/ ٣٧٢)، البحر المحيط (٢/ ٣٦٢)، غرائب القرآن (١/ ٨٥٦)، ولصاحب "التحرير والتنوير" تفصيل حسن في بيان مناسبة هذه الآية لما قبلها ولما بعدها. ينظر: (٢/ ٢٩٨).
(٣) القَفَّال: هو محمد بن علي بن إسماعيل الشاشي، أبو بكر القَفَّال، المتوفى: ٣٦٥ هـ، من أكابر علماء عصره بالفقه والحديث واللغة والأدب. من أهل ما وراء النهر. وهو أول من صنف الجدل الحسن من الفقهاء. وعنه انتشر مذهب الشافعيّ في بلاده. مولده ووفاته في الشاش (وراء نهر سيحون) رحل إلى خراسان والعراق والحجاز والشام. من كتبه: (أصول الفقه)، و (محاسن الشريعة)، و (شرح رسالة الشافعيّ)، (تَفْسِير الْقُرْآن) وهو مفقود، وُجِدَت منه نقول كثيرة في كتب التفسير خاصة تفسير الرازي. ينظر: طبقات الشافعية، للسبكي (٣/ ٢٠٠)، شذرات الذهب (٤/ ٣٤٥)، هدية العارفين (٢/ ٤٨).
(٤) حاشية زادة على البيضاوي (٢/ ٥١٠). وينظر: مفاتيح الغيب (٦/ ٣٧٢).
وفي " التحرير والتنوير " (٢/ ٣٠٠): " الْأُمة بضمة الْهَمْزَةِ: اسْمٌ لِلْجَمَاعَةِ الَّذِينَ أَمْرُهُمْ وَاحِدٌ، مُشْتَقَّةٌ مِنَ الْأَمِّ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ، وَهُوَ الْقَصْدُ، أَيْ: يَؤُمُّونَ غَايَةً وَاحِدَةً، وَإِنَّمَا تَكُونُ الْجَمَاعَةُ أُمَّةً: إِذَا اتَّفَقُوا فِي الْمَوْطِنِ أَوِ الدِّينِ أَوِ اللُّغَةِ أَوْ فِي جَمِيعهَا."
وقد ورد لفظ " الأمة " في القرآن على وجوه كثيرة منها:
الدين والملة، قال تعالى: ﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً﴾ [النحل: ٩٣]، يراد به أهل دين واحد وملة واحدة.
الإمام، قال تعالى: ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً﴾ [النحل: ١٢٠]، إِمَامًا يقْتَدى بِهِ، أو لِأَنَّهُ اجْتمع فِيهِ من خلال الْخَيْر مَا يكون مثله فِي الْأمة.
ينظر: معاني القرآن وإعرابه، للزجاج (١/ ٢٨٢)، الوجوه والنظائر (١/ ٣١)، نزهة الأعين النواظر (١/ ١٤٤).
وقد أجاز الإمام الطبري والإمام البغوي في تفسيرهما حمل كلمة " الأمة " في الآية محل البحث على هذين المعنيين، حيث يكون المعنى: ﴿كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً﴾: أي عَلَى دِينٍ وَاحِدٍ، أو أنه: أَرَادَ آدَمَ وَحْدَهُ كَانَ أُمَّةً وَاحِدَةً؛ لِأَنَّهُ أَصْلُ النَّسْلِ وَأَبُو الْبَشَرِ، ثُمَّ خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى منه حَوَّاءَ وَنَشَرَ مِنْهُمَا النَّاسَ فَانْتَشَرُوا، أو لأن آدم كان على الحقّ إمامًا لذريته، فبعث الله النبيين في ولده.
ينظر: تفسير الطبري (٤/ ٢٧٦)، معالم التنزيل (١/ ٢٧١).


الصفحة التالية
Icon