من بلاغة القرآن في التعبير بالغدو والآصال والعشي والإبكار
إعداد: الدكتور محمد محمد عبد العليم دسوقي
المقدمة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
فما من شك فى أن معرفة مواضع ودلالات الألفاظ فى سياقاتها، وبخاصة ما اشتجر القوم فيه واشتد الخلاف على دلالته.. يتوقف أولأًً على تحرير معاني تيك الألفاظ في معجمات العربية وقواميسها، كما أن تدبر مواقع لفظة ما، بغية الوقوف على دلالتها ومدى أثرها في نسق الذكر الحكيم، هو من النصيحة لكتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.. وتدعونا هذه التوطئة لأن أقرر أن الحديث عن سر مجيىء النظم الكريم معبَّراً فيه عن الطرف الأول للنهار بـ (الغدو) تارة، وبـ (قبل طلوع الشمس) أخرى، وبـ (الإبكار) ثالثة، وبـ (بالإشراق) رابعة، ومجيؤه معبّراً فيه عن الطرف الثاني بـ (العشي) تارة، وبـ (قبل الغروب) أخرى، وبـ (الآصال) ثالثة.. وكذا الحديث عن مقابلة (العشي) بـ (الإبكار) تارة وبـ (الغداة) أخرى وبـ (الإشراق) ثالثة، (ومقابلة (البُكرة) ببعض ما ذُكر تارة وبـ (الأصيل) أخرى.. وكذا مجيؤ تلك المفردات معرّفةً في بعض الأحيان ومنكرةً في بعضها الآخر إلى غير ذلك.. لهو مما يستدعي بل يستوجب الوقوف على أسباب هذا التنوع وعن أسرار مجيئه على الصورة التي ورد عليها، ذلك أن الألفاظ في هذا وما جاء على شاكلته "تختلف ولا تراها إلا متفقة وتفترق ولا تراها إلا مجتمعة، وتذهب في طبقات البيان وتنتقل في منازل البلاغة، وأنت لا تعرف منها إلا روحاً تداخلك بالطرب وتُشرب قلبك الروعة، وتنتزع من نفسك حس الاختلاف الذي طالما تدبرت به سائر الكلام وتصفحت به على البلغاء في ألوان خطابهم وأساليب كلامهم