سورة آل عمران
حكى النقاش : ان هذه السورة اسمها في التورات "طيبة" مدنية بالاتفاق، وهي مائتا آية، وثلاثة آلاف واربعمائة وثمان كلمات، واربعة عشر الفا وخمسمائة وعشرون حرفا.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٥٢٩
قوله :﴿الاما﴾ قد تقدكم الكلامُ على هذا مُشْبَعًا، ونقل الجرجانيُّ - هنا - أن " الم " إشارة، إلى حروف المعجم، كأنه يقول : هذه الحروفُ كتابك - أو نحو هذا - ويدل ﴿لا اا إِلَاهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ﴾ على ما ترك ذكره من خبر هذه الحروف، وذلك في نظمه مثل قوله تعالى :﴿أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِ﴾ ؟ [الزمر : ٢٢] وترك الجواب لدلالة قوله :﴿فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِّن ذِكْرِ اللَّهِ﴾ [الزمر : ٢٢] عليه ؛ تقديره : كمن قسا قلبه.
ومنه قول الشاعر :[الطويل] ١٣١٥
- فَلاَ تَدفِنُونِي إنَّ دَفْنِي مُحَرَّمٌ
عَلَيْكُمْ وَلَكِنْ خَامِرِي أمَّ عَامِرِ
أي : ولكن اتركوني للتي يقال لها خامري أم عامر " انتهى ".
قال ابنُ عطيةَ : يحسن في هذا القول - يعني قول الجُرْجَانيِّ - أن يكون " نَزَّلَ " خبر، قوله :" اللهُ " حتى يرتبط الكلام إلى هذا المعنى.
قال أبو حيَّان : وهذا الذي ذكره الجرجاني فيه نظر ؛ لأن مثليته ليست صحيحة الشبع بالمعنى الذي نحا إليه، وما قاله في الآية محتمل، ولكن الأبرع في [نظم] الآية أن يكون " الم " لا يُضَمُّ ما بعدها إلى نفسها في المعنى، وأن يكون قوله ﴿اللَّهُ لا اا إِلَاهَ إِلاَّ
هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ﴾
كلاماً مبتدأ جملة رادة على نصارى نجران.
قال شهاب الدينِ : وهذا الذي ردَّه الشيخُ على الجرجانيِّ هو الذي اختاره الجرجانيُّ وجعله أحسنَ الأقوالِ التي حكاها في كتابه " نَظْم الْقُرْآنِ ".
قوله :﴿لا اا إِلَاهَ إِلاَّ هُوَ﴾ يجور أن تكون هذه الجملة خَبَرَ الجَلاَلَة، و " نَزَّلَ عَلَيْكَ " خَبْرٌ آخَرُ، ويجوز أن يَكُونَ ﴿لا اا إِلَاهَ إِلاَّ هُوَ﴾ مُعْتَرِضَة بين المبتدأ والخَبَرِ، ويجوز أن يكون حَالاً، وفي صاحبه احتمالان : أحدهما : أن يكون لَفْظَ الجلالة.
والثاني : أن يكون الضمير في " نَزَّلَ " تقديره : نَزَّل عليك الكتاب متوحِّداً بالربوبية.
ذكره مَكِّيٌّ، والأَوَّلُ أولَى.
وةقرأ الجمهور ﴿الاما اللَّهُ﴾ بفتح الميم، وإسقاط همزة الجلالة، واختلفوا في فتحة هذه الميم على ستة أوْجُهٍ : أحدها : أنها حركة التقاء الساكنين، وهو مذهب سيبويه، وجمهورِ الناس.
فإن قيل : أصل التقاء الساكنين الكَسْرُ، فلِمَ عُدِلَ عنهُ ؟ فالجوابُ : أنهم لو كَسَروا لكان ذلك مُفْضِياً إلى ترقيق الميم لام الجلالة، والمقصود تفخيمها للتعظيم، فأوثر الفتح لذلك، وأيضاً : فقبل هذه ياء [وهي أخت الكسرة وأيضاً فصل هذه الياء كسرة]، فلو كسرنا الميم الأخيرة لالتقاء الساكنين لتوالى ثلاث متجانسات، فحركوها بالفتح كما حركوا في نحو : مِنَ اللهِ، وأما سقوط الهمزة فواضحٌ، وبسقوطها التقى الساكنان.
الثاني : أن الفتحة لالتقاء الساكنين [أيضاً ولكن الساكنين] هما الياء التي قبل الميم، والميم الأخيرة، فحُرِّكت بالفتح لئلا يلتقي ساكنان، ومثله : أيْنَ وكَيْف [وكيت، وذيت]، وما أشبهها.


الصفحة التالية
Icon