سورة الأنعام
وهي مائة وستون وخمس آيات، وكلماتها ثلاثة آلاف واثنتان وخمسون كلمة، وحروفها ااثنا عشر ألفا وأربعمائة واثنان وعشرون حرفا.
نزلت ب "مكة" [المشرفة] جملة ليلا، معها سبعون ألف ملك، قد سدوا الخافقين لهم، وهل بالتسبيح، والتحميد والتمجيد، فقال التبي ﷺ : سبحان ربي العظيم سبحان ربي العظيم [وبحمده الكريم] وخر ساجدا.
وروي عنه مرفوعا "من قرأ سورة الأنعام يصلي عليه أولئك السبعون ألف ملك ليله ونهاره".
وقال الكلبي _ رحمه الله تعالى _ : عن أبي صالح ابن عباس نزلت سورة الأنعام بـ "مكة" إلا قوله :﴿وما قدروا الله حق قدره﴾ [الأنعام : ٩١] إلى آخر ثلاث آيات، وقوله تعالى :﴿قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم﴾ [الأنعام : ١٥١] إلى قوله تعالى :"تتقون" فهذه الست آيات مدنيات.
وعن أنس قال : قال رسول الله ﷺ :"ما نزلت علي سورة من القرآن جملة واحدة
غير سورة الأنعام" [وما جمعت الشياطين لسورة من القرآن جمعها لها، ولقد بعث بها إلي مع جبريل _ عليه السلام _ ومعه خمسون ملكا أو خمسون ألف ملك ترفعها أو تحفها حتى أقروهافي صدوري كما أقر ماء في الحوض، ولقد أعزني الله بها وإياكم بها عزا لا يدلنا بعده أبدا وبها دحض حجج المشركين وعد من الله لا يخلفه.
وعن المنكدر لما نزلت سورة "الأنعام" سبح رسول الله ﷺ، وقال :"لقد شيع هذه السورة من الملائكة ما سد الأفق".
قال الأصوليون : وسبب هذه الفضيلة أنها اشتملت على دلائل التوحيد والنبوة والمعاد، وإبطال مذهب المبطلين والملحدين، وذلك يدل على أن علم الأصول في غاية الرفعة].
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٤
قَالَ كَعْبُ الأحْبار - رضي الله عنه - : هذه الآيةُ [الكريمة] أوَّلُ آية في التوراة، وآخرُ آية في التوراة قوله تعالى :﴿وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَم يَكُنْ لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ﴾ [الإسراء : ١١١] الآية الكريمة.
قال ابنُ عَبَّاس - رضي الله عنهما - : فَتَحَ اللَّهُ بالحَمْدّ، فقال :" الحَمْدُ اللَّه الذي خلق السَّموات والأرضَ "، وخَتَمَهُمْ بالحَمْدِ، فقال :" وقَّضَى بَيْنُمُ بالحقِّ "، وقيل :﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الرمز : ٧٥].
فقوله :" الحمدُ لِلِّهِ " فحمد اللِّهُ نَفْسَهُ تعليماُ لعباده، أي : احمدوا اللِّهَ الذي خَلَقَ السَّمواتِ والأرْضَ خصمها بالذِّكر ؛ لأنَّهما أعْظَمُ المَخْلُوقَات فيما يرى العِبَادُ، وفيهما العبرةُ والمنافعُ للعباد.
وأعلم أنَّ المَدْحَ أعَمُّ من الحَمْدِ، والحَمْدُ أعَمُّ من الشكرِ ؛ لأنَّ المْدْحَ يَحْصُلُ للعاقل وغي العاقلِ، فكما يُمْدَحُ الرَّجُلُ العاقلُ بفضله، كذلِك يُمْدَحُ اللُّؤلُؤ لحُسْنِ
شَكْلِهِ، ولَطَافَة خِلْقَتِهِ، ويُمْدَحُ اليَاقُوتُ لِصَفَائه وضقَالِته.
وأمَّا الحمْدُ فلا يحصلُ إلاَّ للفعال المُخْتَارِ على ما يَصْدُرُ عنه من الإنعام، وإنَّما كونُ الحَمْدِ أعم من الشُّكْر ؛ فلأنَّ الحّمْد عبارة عن تعظيم الفاعل لأجل ما صدر عنه من الإنعام، سواء كان ذلك الإنعام واصلاً إليك أو إلى غيرك.
وأمَّا الشُّكْرُ فهو عِبَارةٌ عن تعظيمه لأجل إنعام وصل إليكَ، وإذا عُرِفَ ذلك، فإنَّمَا لَمْ يَقُلْ : المَدْحُ لله تبارك وتعالى لأنَّا بَيَّنَّا أنَّ المَدحَ كما يَحَصُلُ للفاعل المختار، فقد يَحْصُلُ لغيره.
وأمَّا الحَمْدُ فلا يَحْصُلُ إلا للفاعل المختار، وإنَّما لم يَقُلْ :" الشُّكر لِلَّهِ " لَمَا بَيَّنَّا أنَّ الشُّكْرَ عبارة عن تعظيم تسبب إنعام صدر منه، فيكون المطلوب الأصلي، وقبول النعمة إليه، وهذه دَرَجَةٌ حقيرةٌ.
وقوله :" الحَمْدُ لِلَّهِ " يَدُلُّ على أنَّ العَبْدَ حَمَدَهُ لأجل كونه مستحقاً للحمدِ، لا لخصوص كونه - تعالى - أوْصَلَ النَّعْمَةَ إليه فَيَكُونُ الإخلاصُ.
فصل في بيان لفظ الحمد قوله :" الحَمْدُ " لفظٌ محلَّى بالألف واللام، فيفيد أنَّ هذه الماهية للَّهِ، وذلك يَمْنَعُ من ثبوت الحَمْدِ لغير الله، وهذا يقتضي أنَّ جميع أقْسَام الحَمْدِ والثناء والتعظيم ليس إلاَّ للَّهِ تبارك وتعالى، فإن قيل : إنَّ شُكْرَ المُنْعِمِ واحب مِثلَ شُكْرِ الأسْتَاذِ على


الصفحة التالية
Icon