سورة الإسراء
روي عن ابن عباس أنها مكية غير قوله تعالى :﴿وإن كادوا ليستفزونك من الأرض﴾ [آية : ٧٦] إلى قوله :﴿واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا﴾ [آية : ٨٠] فإنها مدنيات حين جاء وفد ثقيف.
وهي مائة وإحدى عشرة آية، وألف وخمسمائة وثلاث وثلاثون كلمة، وعدد حروفها ستة آلاف وأربعمائة وستون حرفا.
جزء : ١٢ رقم الصفحة : ١٩٢
قوله تعالى :﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً﴾ الآية.
قال النحويُّون :" سُبْحَانَ " اسم علم للتَّسبيح يقال : سبحت تسبيحاً فالتسبيح هو المصدر، وسبحان اسم على للتسبيح ؛ كقوله :" كَفَّرتُ اليمينَ تَكْفيراً وكُفْراناً "، وتقدَّم الكلام عليه في أول البقرة، ومعناه تنزيه الله عن كلِّ سوء.
والنصبُ على المصدر، كأنه وضع موضع " سبَّحت الله تسبيحاً " وهو مفرد، إذا أفرد، وفي آخره زائدتان : الألف والنون، فامتنع من الصرف ؛ للتقدير والزيادتين.
وعن سيبويه أنَّ من العرب من ينكِّرهُ ؛ فيقول :" سُبْحَاناً " بالتنزيه.
وقال أبو عبيدٍ : لا ينتصب على النِّداء، فكأنه قال :" يا سُبْحانَ الله، يا سُبْحَانَ الذي أسرى بِعَبدِه ".
قال القرطبي : سُبْحانَ، اسم موضوع موضع المصدر، وهو غير متمكن ؛ لأنَّه لا يجري بوجوه الإعراب، ولا يدخل فيه الألف واللام، ولم يجر منه فعلٌ، ولم ينصرف ؛ لأنَّ في ىخره زائدتين، ومعناه التنزيهُ، والبراءة لله، فهو ذكر ؛ فلا يصلح لغيره، فأمَّا قول من قال :[السريع]
١٩٣
٣٣٧٣ - أقُولُ لمَّا جَاءنِي فَخرُهُ
سُبحَانَ مِنْ عَلْقمَةَ الفَاخِرِ
فإنما ذكره على طريق النَّادر.
روى طلحة بن عبيد الله أنه قال للنبيِّ ﷺ :" ما مَعْنَى سبحان لله " فقال :" تَنْزيهُ الله عن كُلِّ سُوءٍ ".
وقال صاحبُ النظم :" السَّبح في اللغة التباعد ؛ قال تعالى :﴿إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحَاً طَوِيلاً﴾ [المزمل : ٧] أي : تباعداً طويلاً فمعنى " سَبح " : تنزيهه عمَّا لا ينبغي ".
وللتَّسبيح معانٍ أخر ؛ قد يكون بمعنى الصلاة ؛ كقوله :﴿فَلَوْلاَ أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ﴾ [الصافات : ١٤٣] أي المصلِّين والسبحة : صلاة النافلة، وإنما قيل للمصلِّي :" مُسَبِّح " ؛ لأنه معظم لله بالصلاة، ومنزِّهٌ له عمَّا لا ينبغي.
وقد يرد التسبيح بمعنى الاستثناء ؛ كقوله تعالى :﴿قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَّكُمْ لَوْلاَ تُسَبِّحُونَ﴾ [القلم : ٢٨] أي تستثنون.
وتأويله أيضاً يعود إلى تعظيم الله في الاستثناء بمشيئته، وجاء في الحديث :" لأحْرقَتْ سُبحَاتُ وجْهِه " قيل : معناه : وجهه وقيل : معناه : نور وجهه الذي إذا رآه الرّائي، قال :" سبحان الله ".
ويكون " سُبْحَانَ الله " بمعنى التعجُّب.
وقوله :" أسْرَى " و " سَرَى " لغتان، وتقدَّم الكلام عليهما في سورة هود [آية : ٨١]، وأن بعضهم خصَّ " أسْرَى " باللَّيل.
قال الزمخشريُّ هنا : فإن قلت : الإسراء لا يكون إلاَّ ليلاً ؛ فما معنى ذكر الليل ؟.
قلت : أراد بقوله " ليلاً " بلفظ التنكير، تقليل مدَّة الإسراءِ، وأنه أسْرِي به في بعض
١٩٤


الصفحة التالية
Icon