سورة الحج
مكية غير ست آيات نزلت بالمدينة، وهي قوله :"هذان خصمان" إلى قوله :"وهدوا إلى صراط الحميد".
وهي ثمان وتسعون آية، وعدد كلماتها ألفان ومائتانوإحدى وتسعون كلمة، وعدد حروفها خمسة آلاف وخمسة وسبعون حرفا.
جزء : ١٣ رقم الصفحة : ٦٢٨
قوله :﴿ يا أيها النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمْ﴾ أي : احذروا عقابه.
والأمرُ بالتقوى يتناولُ اجتنابَ المحرمات، واجتنابَ تركِ الواجبات.
قوله :﴿إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ﴾ الزلزلة : شدة حركة الشيء، ويجوز في هذا المصدر وجهان : أحدهما : أن يكون مضافاً لفاعله، وذلك على تقديرين : أحدهما : أن يكون من (زَلْزَلَ) اللازم بمعنى : يُزَلْزِل، فالتقدير : أن تزلزل السَّاعة.
والثاني : أن يكون من (زَلْزَلَ) المتعدي، ويكون المفعول محذوفاً تقديره : إن زلزال الساعةِ الناسَ، كذا قدره أبو البقاء.
والأحسن أن يقدر : إن زلزال الساعة الأرض، يدل عليه ﴿إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ﴾ [الزلزلة : ١]، ونسبة التزلزل أو الزلزال إلى الساعة على سبيل المجاز.
الوجه الثاني : أن يكون المصدر مضافاً إلى المفعول به على طريقة الاتساع في الظرف كقوله :
٣٧٤٣ - طَبَّاخِ سَاعَاتِ الكَرَى زَادَ الكَسِل
وقد أوضح الزمخشري ذلك بقوله : ولا تخلو " السَّاعَةُ " من أن تكون على تقدير الفاعل لها، كأنها هي التي تزلزل الأشياء على المجاز الحكمي، فتكون الزلزلة مصدراً مضافاً إلى فاعله، وعلى تقدير المفعول فيها على طريقة الاتساع في الظرف، وإجرائه مجرى المفعول به كقوله تعالى :﴿مَكْرُ الْلَّيْلِ وَالنَّهَارِ﴾ [سبأ : ٣٣].
فصل اختلفوا في وقت هذه الزلزلة، فقال علقمة والشعبي : هي من أشراط الساعة قبل قيام الساعة، ويكون بعدها طلوع الشمس من مغربها.
وقال ابن عباس : زلزلة الساعة قيامها،
فتكون فعلها روي عن رسول الله - ﷺ - في حديث الصور :" إِنَّهُ قَرْنٌ عظيمٌ ينفخ فيه ثلاث نفخات : نفخة الفَزَع، ونفخة الصَّعْقِ، ونفخة القيامة، وإن عند نفخة الفزع يسير الله الجبال، وتَرْجُف الراجفة، تتبعها الرّادِفَة، قلوب يومئذٍ واجِفَة وتكون الأرض كالسفينة حصرتها الأمواج أو كالقِنْديل المعلق تموجها الرياح " قال مقاتل وابن زيد : هذا في أول يوم من أيام الآخرة وليس في الآية دلالة على هذه الأقوال، لأن هذه الإضافة [تصح] وإن كانت فيها ومعها كقولنا : آيات الساعة وأمارات الساعة.
قوله :" يَوْم "، فيه أوجه : أحدها : أن ينتصب بـ " تَذْهَلُ "، ولم يذكر الزمخشري غيره.
الثاني : أنه منصوب بـ " عَظِيم ".
الثالث : أنه منصوب بإضمار " اذْكُر ".
الرابع : أنه بدل من " السَّاعة "، وإنما فُتِح لأنه مبني، لإضافته إلى الفعل وهذا إنما يتمشى على قول الكوفيين، وتقدم تحقيقها آخر المائدة.
الخامس : أنه بدل من " زَلْزَلة " بدل اشتمال، لأن كلاًّ من الحدث والزمان يصدق أنه مشتمل على الآخر.
ولا يجوز أن ينتصب بـ " زَلْزَلة " لما يلزم من الفصل بين المصدر ومعموله بالخبر.
قوله :" تَرَوْنَها " في هذا الضمير قولان : أظهرهما : أنه ضمير الزلزلة ؛ لأنها المحدث عنها، ويؤيده أيضاً قوله ﴿تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ﴾.
والثاني : أنه ضمير الساعة.
فعلى الأول : يكون الذهول والوضع حقيقة ؛ لأنه في الدنيا.
وعلى الثاني : يكون على سبيل التعظيم والتهويل، وأنها بهذه الحيثية، إذ المراد
بالساعة القيامة، وهو كقوله :﴿يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيباً﴾ [المزمل : ١٧].
قوله :" تَذْهَل " في محل نصب على الحال من الهاء في " تَرَوْنَها "، فإن الرؤية هنا بَصَريَّة، وهذا إنما يجيء على غير الوجه الأول، وأما الوجه الأول وهو أنّ " تَذْهَلُ " ناصب لـ " يَوْمَ تَرَوْنَها " فلا محل للجملة من الإعراب ؛ لأنها مستأنفة، أو يكون محلها النصب على الحال من الزلزلة، أو من الضمير في " عَظِيْم " وإن كان مذكراً، لأنه هو الزلزلة في المعنى، أو من " الساعة " وإن كانت مضافاً إليها، لأنه إما فاعل أو مفعول كما تقدم.
وإذا جعلناها حالاً فلا بد من ضمير محذوف تقديره : تذهل فيها.
وقرأ العامة :" تَذْهَل " بفتح التاء والهاء من : ذهل عن كذا يذهل.
وقرأ ابن أبي عبلة واليماني : بضم التاء وكسر الهاء، ونصب " كل " على المفعول به من أذهله عن كذا يُذْهله، عدّاه بالهمزة.
والذهول : الاشتغال عن الشيء، وقيل : إذا كان مع دهشته وقيل : إذا كان ذلك لطرآن شاغل من هَمّ أو مرض ونحوهما، وذهل بن شيبان أصله من هذا.
والمرضعة : من تلبست بالفعل، والمرضع من شأنها أن تُرْضع كحائض فإذا أراد التلبس قيل : حائضة.
قال الزمخشري : فإن قلت : لم قيل " مُرْضِعَة " دون مُرْضِع ؟ قلت : المرضعة هي التي في حال الإرضاع ملقمة ثديها الصبي، والمرضع التي من شأنها أن ترضع وإن لم تباشر الإرضاع في حال وصفها (به).
والمعنى : أن من شدة الهول تذهل هذه عن ولدها فكيف بغيرها.
وقال بعض الكوفيين : المرضعة يقال للأم،
والمُرْضِع يقال للمستأجرة غير الأم، وهذا مردود بقول الشاعر : ٣٧٤٤ - كَمُرْضِعَةٍ أَوْلاَدَ أُخْرَى وَضَيَّعَتْ
بَنِي بَطْنِهَا هَذَا الضَّلاَلُ عَنِ القَصْدِ
جزء : ١٤ رقم الصفحة : ٣


الصفحة التالية
Icon