سورة الفرقان
مكية، وهي سبع وسبعون آية، وثمانمائة واثنتان وسبعون كلمة، وعدد حروفها ثلاثة آلاف وسبعمائة وثمانون حرفا.
جزء : ١٤ رقم الصفحة : ٤٧١
قوله تعالى :﴿تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ﴾ الآية.
اعلم أنه تعالى تكلم في هذه السورة في التوحيد والنبوة وأحوال القيامة ثم ختمها بذكر العباد المخلصين المؤمنين.
قال الزجاج :" تبارك " تفاعل من البركة.
والبركة كثرة الخيرة وزيادته، وفيه معنيان : أحدهما : تزايد خيره وتكاثره.
قال ابن عباس : معناه : جاء بكل بركة، قال تعالى :﴿وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا﴾ [إبراهيم : ٣٤].
والثاني : قال الضحاك : تعظّم الذي نزل الفرقان، أي : القرآن على عبده.
وقيل : الكلمة تدل على البقاء، وهو مأخوذ من بروك البعير، ومن بروك الطير على الماء.
وسميت البركة بركة، لثبوت الماء فيها، والمعنى : أنه سبحانه باق في ذاته أزلاً وأبداً ممتنع التغير، وباق في صفاته ممتنع التبدل.
فإن قيل : كلمة " الذي " موضوعة في اللغة للإشارة إلى الشيء عند محاولة تعريفه
٤٧٢
بقضية معلومة، وإذا كان كذلك فالقوم ما كانوا عالمين بأنه - سبحانه - الذي نزل الفرقان.
فالجواب : أنه لما ظهر الدليل على كونه من عند الله، فلقوة الدليل وظهوره أجراه مجرى المعلوم.
فصل وصف القرآن بالفرقان، لأنه فرق بين الحق والباطل في نبوة محمد - عليه السلام - وبين الحلال والحرام، أو لأنه فرق في النزول كقوله :﴿وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ﴾ [الإسراء : ١٠٦]، وهذا أقرب، لأنه قال :﴿نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ﴾ ولفظة " نزل " تدل على التفريق، ولفظة " أنزل " تدل على الجمع، ولهذا قال في سورة آل عمران :﴿نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ (مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ)﴾ [آل عمران : ٣] ﴿وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ﴾ [آل عمران : ٣].
والمراد بالعبد ههنا محمد - ﷺ -.
قوله :" ليكون ".
اللام متعلقة بـ " نزَّل "، وفي اسم " يكون " ثلاثة أوجه : أحدها : أنه ضمير يعود على " الَّذِي نزّل "، أي : ليكون الذي نزل الفرقان نذيراً.
الثاني : أنه يعود على " الفرقان " وهو القرآن، أي : ليكون الفرقان نذيراً (أضاف الإنذار إليه كما أضاف الهداية إليه في قوله :﴿إِنَّ هذا الْقُرْآنَ يِهْدِي﴾ [الإسراء : ٩] وهذا بعيد ؛ لأن المنذر والنذير من صفات الفاعل للتخويف، ووصف القرآن به مجاز، وحمل الكلام على الحقيقة أولى).
الثالث : أنه يعود على " عبده "، أي : ليكون عبده محمد - ﷺ - نذيراً.
وهذا أحسن الوجوه معنى وصناعة لقربه مما يعود عليه الضمير على أقرب مذكور.
و " لِلعَالَمِين " متعلق بـ " نَذِيراً "، وإنما قدم لأجل الفواصل، ودعوى إفادة الاختصاص بعيدة، لعدم تأتيها هنا، ورجح أبو حيان عوده على " الذي "، قال : لأنه العمدة المسند إليه الفعل، وهو من وصفه تعالى كقوله :﴿إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ﴾ [الدخان : ٣]، و " نذيراً " الظاهر فيه أنه بمعنى منذر، وجوَّزوا أن يكون مصدراً بمعنى الإنذار كالنكير بمعنى الإنكار، ومنه ﴿فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ﴾ [القمر : ١٦] فإن قوله :" تبارك " يدل على كثرة
٤٧٣
الخير والبركة، فالمذكور عقيبه لا بد وأن يكون سبباً لكثرة الخير والمنافع، والإنذار يوجب الغم والخوف، فكيف يليق ذكره بهذا الموضع ؟ فالجواب : أن الإنذار يجري مجرى تأديب الولد، كما أنه كلما كانت المبالغة في تأديب الولد أكثر (كان الإحسان إليه أكثر، لما أن ذلك يؤدي في المستقبل إلى المنافع العظيمة، فكذا ههنا كلما كان الإنذار كثيراً) كان رجوع الخلق إلى الله أكثر، وكانت السعادة الأخروية أتم وكثر، وهذا كالتنبيه على أنه لا التفات إلى المنافع العاجلة ؛ لأنه تعالى لما وصف نفسه بأنه معطي الخيرات الكثيرة لم يذكر إلا منافع الدين، ولم يذكر منافع الدنيا البتّة.
قوله :﴿الَّذِي لَهُ مُلْكُ﴾ يجوز في " الّذِي " الرفع نعتاً للذي الأول، أو بياناً، أو بدلاً، أو خبراً لمبتدأ محذوف، أو النصب على المدح.
وما بعد بدل من تمام الصلة فليس أجنبياً، فلا يضر الفصل به بين الموصول الأول والثاني إذا جعلنا الثاني تابعاً له.
فصل ﴿الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ﴾ إشارة إلى احتياج هذه المخلوقات إليه سبحانه حال حدوثها، وأنه سبحانه هو المتصرف فيها كيف يشاء.
﴿وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً﴾ أي : هو الفرد أبداً، ولا يصح أن يكون غيره معبوداً ووارثاً للملك عنه، وهذا رد على النصارى.
﴿ولم يكن له شريك في الملك﴾ أي : هو المنفرد بالإلهية، وإذا عرف العبد ذلك انقطع رجاؤه عن كل ما سواه، ولم يشتغل قلبه إلا برحمته وإحسانه، وفيه رد على الثنوية، والقائلين بعبادة النجوم والأوثان.
قوله :﴿وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ﴾ الخلق هنا عبارة عن الإحداث والتهيئة لما يصلح له، لا
٤٧٤