سورة النمل
سورة النمل مكية، وهي ثلاث وتسعون آية، وألف ومائة وتسع وأربعون كلمة، وأربعة آلاف وسبع مائة وتسعة وتسعون حرفا.
جزء : ١٥ رقم الصفحة : ١٠٢
قوله تعالى :﴿طسا تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُّبِينٍ﴾.
" تلك " إشارة إلى آيات السورة أي : هذه آيات القرآن.
قوله :" وَكِتَابٍ " العامة على جره عطفاً على " القُرْآنِ "، وهل المراد به نفس القرآن فيكون من عطف بعض الصفات على بعض، والمدلول واحد، أو اللوح المحفوظ، أو نفس السورة، أقوال.
وقيل : القرآن والكتاب علمان للمنزل على نبينا - ﷺ - فهما كالعباس وعباس، يعني فيكون " أل " فيهما للمح الصفة، وهذا خطأ ؛ إذ لو كانا علمين لما وصفا بالنكرة، وقد وصف " قرآن " بها في قوله :﴿آيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآنٍ مُّبِينٍ﴾ [الحجر : ١] - الحجر - ووصف بها " كتاب " كما في هذه الآية الكريمة.
والذي يقال إنه نكر هنا لإفادة التفخيم، كقوله :﴿فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ﴾ [القمر : ٥٥].
وقرأ ابن أبي عبلة :" وكِتَابٌ مُبِينٌ " برفعها عطفاً على " آيَاتٌ " المخبر بها عن " تِلْكَ ".
١٠٣
فإن قيل : كيف صَحَّ أن يشار لاثنين أحدهما مؤنث، والآخر مذكر باسم إشارة المؤنث.
، ولو قلت : تلك هند وزيد لم يجز ؟ فالجواب من ثلاثة أوجه : أحدها :(أن المراد بالكتاب) هو الآيات، لأن الكتاب عبارة عن آيات مجموعة، فلما كانا شيئاً واحداً، صحت الإشارة إليهما بإشارة الواحد المؤنث.
الثاني : أنه على حذف مضاف، أي : وآيات كتاب مبين.
الثالث : أنه لما ولي المؤنث ما يصح الإشارة به إليه، اكتفى به وحسن، ولو أولي المذكر لم يحسن، ألا تراك تقول : جاءتني هند وزيد، ولو حذفت (هند) أو أخّرتها لم يجز تأنيث الفعل.
قوله :" هُدًى وبُشْرَى " يجوز فيهما أوجه : أحدها : أن يكونا منصوبين على المصدر بفعل مقدر من لفظهما، أي : يهدي هدى، ويبشر بشرى.
الثاني : أن يكونا في موضع الحال من " آيَات " والعامل فيها ما في " تِلْكَ " من معنى الإشارة.
الثالث : أن يكونا في موضع الحال من " القُرْآن " وفيه ضعف، ومن حيث كونه مضافاً إليه.
الرابع : أن يكونا حالاً من " كِتَاب "، في قراءة من رفعه، يوضعف في قراءة من جره، لما تقدم من كونه في حكم المضاف إليه، لعطفه عليه.
الخامس : أنَّهما حالان من الضمير المستتر في " مبين " سواء رفعته (أم جررته).
السادس : أن يكونا بدلين من " آيَاتُ ".
السابع : أن يكونا خبراً بعد خبر.
١٠٤
الثامن : أن يكونا خبري ابتداء مضمر، أي :(هي) هُدًى وبُشْرَى للمؤمنين.
فصل المراد يهديهم إلى الجنة وبشرى لهمن كقوله تعالى :( ﴿فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ) مَّنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً﴾ [النساء : ١٧٥]، ولهذا خص به المؤمنين، وقيل : إنما تكون للمؤمنين أو لأنهم تمسكوا به، كقوله :﴿إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرُ مَن يَخْشَاهَا﴾ [النازعات : ٤٥]، أو أنه يزيد في هداهم، كقوله تعالى :﴿وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَواْ هُدًى﴾ [مريم : ٧٦].
قوله :﴿الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ﴾ يجوز أن يكون مجرور المحل، نعتاً للمؤمنين، أو بدلاً أو بياناً، أو منصوبة عل المدح، أو مرفوعة على تقدير مبتدأ، أي : هم الذين، والمراد بها : الصلوات الخمس، وكذا القول في الزكاة، فإنها هي الواجبة، لأن التعريف بالألف واللام يقتضى ذلك.
وإقامة الصلاة أن يؤديها بشرائطها، والزكاة بوضعها في مواضعها.
قوله :﴿وَهُم بِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ﴾ " هم " الثاني تكرير للأول على سبيل التوكيد اللفظي، وفهم الزمخشري منه الحصر، أي : لا يوقن بالآخرة حق الإيقان إلا هؤلاء، المتصفون بهذه الصفات.
ويدل عليه أنه عقد جملة ابتدائية، وكرر فيها المبتدأ الذي هو " هم " حتى صار معناها : وما يوقن بالآخرة حق الإيقان إلا هؤلاء الجامعون بين الإيمان والعمل الصالح، لأن خوف العاقبة يحملهم على تحمل المشاق.
و " بالآخِرَةِ " متعلق بـ " يوقنون "، ولا يضر الفصل بينهما بالتوكيد.
وهذه الجملة يحتمل أن تكون معطوفة على اصلة، داخلة في حيز الموصول، وحينئذ يكون قد غاير بين الصِّلأَتين لمعنى، وهو أنه لما كان إقامة الصلاة، وإيتاه الزكاة مما يتكرَّر ويتجدَّد بالصتين جملة فعلية، فقال :" يُقِيمُونَ "، وَ " يُؤْتُونَ ".
ولما كان الإيقان بالآخرة أمراً ثابتاً مطلوباً دوامه، أتى بالصلة جملة اسمية، مكرراً فيها المسند إليه، مقدماً الموقن به، الدال على الاختصاص، ليدل على الثبات
١٠٥


الصفحة التالية
Icon