سورة فاطر
مكية وهي ست وأربعون آية وسبع مائة وسبع وتسعون كلمة وثلاثة آلاف ومائةوثلاثون حرفا.
جزء : ١٦ رقم الصفحة : ٩٦
قوله :﴿الْحَمْدُ للَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ﴾ قد تقدم أن الحمد يكون على النعمة في أكثر الأمر.
ونعم الله على قسمين عاجلة وآجلة والعاجلة وجود وبقاء والآجلة كذلك إيجاد مرة وإبقاء.
قوله :﴿فَاطِرِ﴾ إن جعلت إضافة محضة كان نعتاً " لله " وإن جعلتها غير محضة كان بدلاً.
وهو قليل، من حيث إنه مشتق، وهذه قراءة العامة.
والزُّهْريّ والضحاك :" فَطَرَ " فعلاً ماضياً وفيه ثلاثة أوجه : أحدها : أنها صلة لموصول محذوف أي الَّذِي فطر.
كذا قدره أبو (حيان) وأبو
٩٧
الفضل، ولا يليق بمذهب البصريين لأن حذف الموصل الاسمي لا يجوز، وقد تقدم هذا الخلاف متسوفًى في البقرة.
الثاني : أنه حال على إضمار " قد " قال أبو الفضل أيضاً.
الثالث : أنه خبر مبتدأ مضمر أي هُوَ فطر وقد حكى الزمخشري قراءة تؤيد ما ذهب إليه الرّازي فقال :" وقرئ الذي فَطَر وَجَعَل "، فصرح بالموصول.

فصل معنى فاطر السموات والأرض أي خالقهما ومبدعهما على غير مثال سبق.


قاله ابن عباس وقيل : فاطر السموات والأرض أي شاقّهما لِنُزُول الأرواح من السماء وخروج الأجساد من الأرض.
ويلد عليه قوله تعالى :﴿جَاعِلِ الْمَلاَئِكَةِ رُسُلاً﴾ فإن في ذلك اليوم تكن الملائكةُ رسلاً.
قوله :" جاعل " العامة أيضاً على جره نعتاً أو بدلاً، والحسن بالرفع والإضافة.
وروي عن أبي عمرو كذلك إلا أنَّه لم ينون ونصب الملائكة، وذلك على حذف التنوين لالتقاء الساكنين كقوله : ١٤٥١ -........................
وَلاَ ذَاكِرِ اللَّهَ إلاَّ قَلِيلا
جزء : ١٦ رقم الصفحة : ٩٧
٩٨
وابنُ يعمُر وخُلَيْدُ بن نَشِيطٍ " جَعَلَ " فعلاً ماضياً بعد قراءة فاطر بالجر وهذه كقراءة :﴿فَالِقُ الإِصْبَاحِ وَجَعَلَ الْلَّيْلَ﴾ [الأنعام : ٩٦] والحَسَنُ وحُمَيْد رُسْلاً بسكون السين وهي لغة تميم.
وجاعل يجوز أن يكون بمعنى مصير أوبمعنى خالق فعلى الأولى يجري الخلاف هل نصب الثاني باسم الفاعل أو بإضمار فعل هذا إن اعتقد أن جاعلاً غير ماضي أما إذا كان ماضياً تعين أن ينتصب بإضمار فعل.
وتقدم تحقيق ذلك في الأنعام وعلى الثاني ينتصب على الحال، و " مَثْنَى وثُلاَثَ ورُبَاعَ " صفة لأجنحة و " أُولي " صلة لرُسُلاً.
وتقدم تحقيق الكلام في مَثْنَى وأخْتَيْهَا في سورة النساء قال أبو حيان وقيل : أولي أجنحة معترض و " مثنى " حال والعامل فعل محذفو يدل عليه رسلاً أي يُرْسَلُون مَثْنَى وثُلاَث ورُبَاع وهذا لا يسمى اعتراضاً لوجهين : أحدهما : أن " أولي " صفة لرسلاً والصفة لا يقلا فيها معترضة.
والثاني : أنها ليست حالاً من " رُسُلاً " (بل) من محذفو فكيف يكون ما قبله معترضاً ؟ ولو جعله حالاً من الضمير في " رُسُلاً " لأنه مشتق لسهل ذلك بعض شيء
٩٩
ويكون الاعتراض بالصفة مجازاً من حيث إنه فاصل في الصورة.
قوله :﴿يَزِيدُ﴾ مستأنف و " مَا يَشَاءُ " هو المفعول الثاني للزّيادة.
والأول لم يقصد فهو محذفو اقتصاراً لأن قوله في الخلق يُغْنِي عَنْهُ.
فصل قول قتادة ومقاتل : ألوي أجنحة بعضهم له جناحان وبعضهم له ثلاثةُ أجنحة، وبعضهم له أجنحة يزيد فيها ما يشاء وهو قوله :﴿يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَآء﴾ قال (عبد الله) بنُ مسعود في قوله عزّ وجلّ :﴿لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى ﴾ [النجم : ١٨] قال : رأي جبريل في صورته له ستّمائةِ جَنَاح.
" قال ابن شهاب في قوله :﴿يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَآء﴾ قال : حسن الصوت وعن تقادة : هو المَلاَحَةُ في العينين وقيل : هو القعل والتمييز ﴿إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾.
قوله :﴿مَّا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا﴾ لما بين كمال القدرة ذكر بيان نفوذ المشيئة ونفاذ الأمر وقال :﴿مَّا يَفْتَحِ اللَّه﴾ إن رحم الله فلا مانع له وإن لم يرحم فلا باعثَ له عليها.
وفي الآية دليل على سبق الرحمة الغضب من وجوه : أحدها : التقديم حيث قدم بيان فتح أبواب الرحمة في الذكر.
وثانيها : أنه أنّث الكناية فقال : فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا " ويجوز من حيث العربية أن يقال :" لَهُ " عَوْداً إلى " ما " ولكن قال الله تعالى ذلك ليعلم أن المفتوح أبواب الرحمة فيه واصلة إلى من رَحِمَتُهُ وقال عند الإمساك :" وَمَا يُمْسِكْ فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ " بالتذكير ولم يقل " لها " فلم يصرح بأنه لا مرسل للرحمة بل ذكره بلفظ يحتلم أن يكون الذي يرسل هو غير الرحمة، فإن قوله (تعالى) ﴿وَمَا يُمْسِكْ﴾ عامٌّ من غير بيانٍ وتخصيص.
وثالثها : قوله من بعْدِه أي من بعد الله فاستثنى ههنا وقال :" لاَ مُرْسِلَ لَهُ إلاَّ اللَّهُ " وعند الإمساك قال : لاَ مُمْسِكَ لَهَا " ولم يقل غير الله لأن الرحمة إذا جاءت لا ترتفع فإن من رَحِمَهُ الله في الآخرة لا يعذبه بعدها هو ولا غيره ومن يعذبه الله قد يرحمه الله بعد العذاب كالفساق من أهل الإيمان.
١٠٠


الصفحة التالية
Icon