سورة الأحقاف
مكية، وهي خمس وثلاثون آية، وستمائة واربع واربعون كلمة وألفان وخمسمائة وخمسة وتسعون حرفا.
جزء : ١٧ رقم الصفحة : ٣٧٦
قوله تعالى :﴿حما تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُّسَمًى﴾ تقدم الكلام على نظير ذلك.
والمراد ههنا بالأجل المسمى يوم القيامة، وهو الأجل الذين ينتهي إليه السموات والأرض وهو إشارة إلى قيامها.
قوله :﴿وَالَّذِينَ كَفَرُواْ عَمَّآ أُنذِرُواْ﴾ يجوز أن تكون " ما " مصدرية أي عن إنذارهم أو بمعنى الذي أي عن الذي أُنذِرُوهُ و " عن " متعلقة بالإعراض و " مُعْرِضُون " خبر الموصول.
٣٧٧
قوله :﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ﴾ حكم " أرأيتم ".
ووقع بعد هذه " أََرُونِي " فاحتلمت وجين : أحدهما : أن تكون توكيداً لها، ولأنهما بمعنى أخبروني، وعلى هذا يكون المفعول الثاني (لأَرَأَيْتُمْ) قوله " مَاذَا خَلَقُوا " إلا أنه استفهام، والمفعول الأول هو قوله :" مَا تَدْعُونَ ".
الوجه الثاني : أن لا تكون مؤكدة لها وعلى هذا تكون المسألة من باب التنازع، لأن " أَرأَيْتُمْ) يطلب ثانياً و " أروني " كذلك، وقوله :" مَاذَا خَلَقُوا : هو المُتَنَازَعُ فيه، وتكون المسألة من إعمال الثاني، والحذف من الأول.
وجوز ابن عطية في " أَرأَيْتُم " أن لا يتعدى، وجعل " مَا تَدْعُونَ " استفهاماً معناه التوبيخ.
وقال :" وتدعون " معناه تبعدون.
وهذا رأي الأخفش، وقد قال بذلك في قوله :﴿َأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَآ إِلَى الصَّخْرَةِ﴾ [الكهف : ٦٣] وقد تقدم.
قوله :" مِن الأَرْضِ " هذا بيان للإبهام الذين في قوله :" مَاذَا خَلَقُوا ".
قوله :" أَمْ لَهُمْ " هذه " أم " المنقطعة، والشِّرْكُ المُشَارَكَةُ، وقوله :" مِنْ قَبْلِ هَذَا " صفة لِكِتَابٍ أي بكتاب منزل من قبلِ هذا، كذا قدرها أبو البقاء، والأحسن أن يقدر كون مطلق أي كائن من قبل هذا.
قوله :" أَوْ أَثَارةٍ " العامة على أَثارة، وهي مصدر على فَعَالةٍ، كالسَّمَاحَةِ، والغَوايَةِ والظَّلاَلَةِ ومعناها البقية من قولهم : سمنت الناقة على أثارةٍ من لَحْم إذَا كانت سَمِينةً، ثم هزِلَتُ، وبقي بقية من شَحْمِهَا ثم سمنت.
والأثارة غلب استعمالها في بقية الشرف، يقال : لِفُلانٍ أثارةٌ أي بقية شرف، وتستعمل في غير ذلك قال الراعي : ٤٤٤٩ـ وََذَاتِ أَثَارَةٍ أَكَلَت عَلَيْهَا
نَبَاتاً في أكَِمَّتِهِ قَفَاراً
جزء : ١٧ رقم الصفحة : ٣٧٧
وقيل : اشتقاقها من أثر كذا أي أسْنَدَهُ.
ومنه قوله عمر :" ما خَلَّفْت به ذَاكِراً وَلاَ
٣٧٨
آثِراً " أي مسنداً له عن غيري.
وقال الأعشى : ٤٤٥٠ـ إنَّ الَّذِي فِيهِ تَمَارَيْتُمَا
بُيِّنَ لِلسَّامِعِ وَالآثِرِ
وقيل : فيها غير ذلك.
وقرأ عَلِيٌّ وابن عَبَّاسٍ وزيدُ بنُ عَلِيٍّ وعكرمةُ في آخرين : أَثَرَةٍ دون ألف.
وهي الواحدة وتجمع على أَثَر، كقَتَرَةٍ، وقَتَرٍ.
وقرأ الكسائي : أُثْرَةٍ، وإِثْرَة بضم الهمزة وكسرها مع سكون الثاء.
وقتادة والسُّلَميّ بالفتح والسكون.
والمعنى بما يُؤْثَرُ ويُرْوَى، أي ائتوني بخبر واحد يشضهد بصحة قولكم.
وهذا على سبيل التنزيل للعلم بكذب المدعي.
و " مِن عِلْمٍ " صفةٌ لأَثَارَةٍ.

فصل قال أبو عُبَيْدَة والفَرَّاءُ والزَّجَّاجُ أثارة من علم أي بقية.


قال المبرد أثارة ما يؤثر منْ عِلم كقولك : هذا الحديثُ يُؤْثَر عَنْ فُلاَنٍ، ومن هذا المعنى سيمت الأخبار والآثار، يقالً : جَاءَ في الأثر كَذَا وكَذَا.
قال الواحدي : وكلام أهل اللغة في هذا الحرف يدور على ثلاثة أقوال : الأول : الأثارة واشقاقها من أثرت الشيءَ أُثِيرُه إِثَارةً، كأنها بقية تستخرج فتُثَارُ.
والثاني : من الأثر الذي هو الرواية.
والثالث : من الأَثَرِ بمعنى العلامة.
٣٧٩


الصفحة التالية
Icon