سورة الحاقة
مكية، وهي اثنتان وخمسون آية، وستة وخمسون كلمة، وألف وأربعة وستون حرفا.
جزء : ١٩ رقم الصفحة : ٣١١
قوله تعالى :﴿الْحَاقَّةُ مَا الْحَآقَّةُ﴾.
" الحاقة " مبتدأ، و " ما " مبتدأ ثانٍ، و " الحاقة " خبره، والجملة خبر الأول ؛ لأن معناها " ما هي " واللفظُ استفهام، ومعناها التفخيم والتعظيم لشأنها.
قال ابن الخطيب : وُضِعَ الظاهرُ موضع المضمرِ ؛ لأنه أهولُ لها، ومثله ﴿الْقَارِعَةُ مَا الْقَارِعَةُ﴾ [القارعة : ١، ٢] وقد تقدَّم تحريرُ هذا في " الواقعةِ ".
و " الحاقَّة " فيها وجهان : أحدهما : انه وصف اسم فاعل بمعنى أنها تبدي حقائق الأشياء.
وقيل : إن الأمر يحق فيها فهي من باب طليل نائم، ونهار صائم " قاله الطبري.
وقيل : سميت حاقة ؛ لأنها تكون من غير شكٍّ لأنها حقَّت فلا كاذبة لها.
وقيل : سميت القيامة بذلك ؛ لأنها أحقت لأقوامٍ الجنَّة، وأحقَّت لأقوامِ النَّار.
وقيل : من حق الشيء : ثبت فهي ثابتة كائنة.
وقيل : لأنها تحق كل محاق في دين الله أي : تغلبه، ومن حاققته، فحققته أحقه أي : غلبته.
٣١٢
وفي " الصحاح " : وحاقه، أي : خاصمه، وادعى كل واحد منهما الحقَّ، فإذا غلبه قيل : حقه، ويقال : ما له فيه حقٌّ، ولا حقاق أي : خصومة، والتحاق، والتخاصم، والاحتقاق : الاختصام، والحاقَّةُ والحقُّ والحقةُ ثلاثُ لغاتٍ بمعنىً.
وقال الكسائيُّ والمؤرج : الحاقَّةُ : يوم الحقِّ.
والثاني : أنه مصدر كـ " العاقبة " و " العافية ".
قوله " ما الحَاقَّةُ " في موضع نصب على إسقاط الخافض، لأن " أدرى " بالهمزة يتعدى لاثنين، للأول : بنفسه، والثني : بـ " الباء "، قال تعالى :﴿وَلاَ أَدْرَاكُمْ بِهِ﴾ [يونس : ١٦]، فلما وقعت جملة الاستفهام معلقة لها كانت في موضع المفعولِ الثاني، ودون الهمزة تتعدى لواحدٍ بـ " الباء " نحو :" دريت بكذا " أو يكون بمعنى " علم " فيتعدّى لاثنين.
فصل في معنى " ما أدراك ".
معنى " ما أدراك "، أي شيء أعلمك ما ذاك اليوم، والنبي ﷺ كان عالماً بالقيامة، ولكن لا علم له بكونها وصفتها، فقيل ذلك تفخيماً لشأنها، كأنك لست تعلمُها، ولم تعاينها.
وقال يحيى بن سلام : بلغني أنَّ كل شيء في القرآن " ومَا أدراكَ " فقد أدراه وعلمه، وكل شيء قال :" ومَا يُدْريكَ " فهو مما لم يعلمهُ.
وقال سفيان بن عيينة : كل شيء قال فيه :" وما أدْراكَ " فإنه أخبر به، وكل شيء قال فيه :" وما يُدريْكَ "، فإنه لم يخبر به.
قوله :﴿كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ﴾.
" القارعةُ " القيامة، سميت بذلك [لأنها] تقرعُ قلوب العبادِ بالمخافةِ.
وقيل : لأنها تقرع الناس بأهوالها يقال : أصابتهم قوارعُ الدهرِ، أي : أهواله وشدائده وقوارضُ لسانه ؛ جمع قارضة، وهي الكلمة المؤذيةُ، وقوارعُ القرآن : الآيات التي يقرؤها الإنسانُ إذا قُرعَ من الجن والإنس نحو آية " الكرسي " كأنَّه يقرع الشيطان.
وقال المبرِّد : القارعة مأخوذةٌ من القرعة من رفع قومٍ وحطِّ آخرين.
وقوارعُ القيامة : انشقاقُ السماءِ، وانفطارها، والأرض والجبال بالدكِّ والنسف، والنجوم بالطَّمس والنكدار.
وإنما قال :﴿كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ﴾، ولم يقل : بها ليدل على أنَّ معنى القرع حاصل في الحاقَّةِ، فيكون ذلك زيادة على وصف شدتها، ولما ذكرها وفخمها أتبع ذلك
٣١٣