سورة نوح
مكية وهي ثمان وعشرون آية، ومائتان واربع وعشرون كلمة، وتسعمائة وتسعة وعشرون حرفا.
جزء : ١٩ رقم الصفحة : ٣٧٩
قوله تعالى :﴿إِنَّآ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ﴾.
روى قتادة عن ابن عبَّاسِ عن النبيِّ ﷺ قال :" أوَّل نبيٍّ أرسِلَ نوحٌ عليه الصلاة والسلام، وأرسِلَ إلى جَميعِ أهْلِ الأرضِ " ولذلك لمَّا كفروا، أغرق الله أهل الأرض جميعاً، وهو نوح بنُ لامك بن
٣٨٠
متوشلخ بن أخنوخ، وهو إدريس بن مهلاييل بن أنوش بن قينان بن شيث بن آدم عليه الصلاة والسلام.
قال وهبٌ : وكلهم مؤمنون، أرسل إلى قومهِ وهو ابنُ خمسين سنة.
وقال ابن عبَّاسٍ : أربعين سنة.
وقال عبد الله بن شداد : بعث وهو ابنُ ثلاثمائة وخمسين سنة.
قوله :﴿أَنْ أَنذِرْ﴾.
يجوز أن تكون المفسرة، فلا يكونُ لها موضع من الإعراب، لأن في الإرسال معنى الأمر فلا حاجة إلى إضمار الباءِ، ويجوز أن تكون المصدرية، أي : أرسلناه بالإنذار.
قال الزمخشريُّ : والمعنى : أرسلناه بأن قلنا له : أنذر، أي : أرسلناه بالأمر بالإنذار.
انتهى.
وهذا الذي قدره حسنٌ جدّاً، وهو جواب عن سؤال تقدَّم في هذا الكتاب، وهو قولهم : فإنَّ " أنْ " المصدرية يجوز أن توصل بالأمر مشكل ؛ لأنه ينسبكُ منها وما بعدها مصدر، وحينئذ فتفوت الدلالة على الأمر ؛ ألا ترى أنَّك إذا قدَّرت " كتبت إليهم بأن قم كتبت إليه القيام " تفوت بالدلالة على الأمر حال التصريح بالمصدر، فينبغي أن يقدر كما قاله الزمخشريُّ، أي : كتبت إليه بأن قلتُ له : قُمْ، أي : كتبتُ إليه بالأمر بالقيامِ.
وقال القرطبي :" أي : بأن أنذر قومكَ، فموضع " أن " نصب بإسقاط الخافض ".
وقرأ عبد الله :" أنذر قومك " بغير " أن " بمعنى :" قلنا له : أنذر قومك ".
وقد تقدم معنى الإنذار في سورة " البقرة ".
وقوله :﴿مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾.
قال ابن عبَّاسٍ : يعني عذاب النَّار في الآخرة.
وقال الكلبيُّ : هو الطوفان.
وقيل : انذرهم بالعذاب على الجملة إن لم يؤمنوا، فكان يدعو قومه وينذرهم، فلا يجيبونه كما تقدَّم.
﴿قَالَ يا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ﴾، أي : مخوف مظهر لكم بلسانكم الذي تعرفونه.
٣٨١
قوله :﴿أَنِ اعبُدُواْ اللَّهَ﴾، إما أن تكون تفسيريه لـ " نَذِيْر " أو مصدرية، والكلامُ فيها كلاكلام في أختها كما تقدم، والمعنى : وَحِّدوا اللَّه واتَّقُوه، أي : خافوه " وأطِيعُونِ " فيما آمركم به ؛ فإنِّي رسول الله إليكم.
﴿يَغْفِرْ لَكُم﴾ جزم " يَغْفِرْ " لجواب الأمر.
قوله :﴿مِّن ذُنُوبِكُمْ﴾.
في " مِنْ " هذه أوجه : أحدها : أنَّها تبعيضية.
الثاني : أنَّها لابتداء الغايةِ.
الثالث : أنَّها لبيان الجنسِ، وهو مردود لعدم تقدم ما تبينُه.
الرابع : أنَّها مزيدةٌ.
قال ابن عطية : وهو مذهب كوفيٌّ.
قال شهاب الدين : ليس مذهبهم ذلك ؛ لأنهم يشترطون تنكير مجرورها، ولا يشترطون غيره.
والأخفش لا يشترط شيئاً، فزيادتُها هنا ماشٍ على قوله لا على قولهم.
قال القرطبي : وقيل : لا يصح كونها زائدة ؛ لأن " مِنْ " لا تزاد في الواجب، وإنما هي هنا للتبعيض، وهو بعض الذنوب، وهو ما لا يتعلق بحقوق المخلوقين.
وقال زيد بن أسلم : المعنى يُخرِجُكم من ذنوبكم.
وقال ابن شجرة : المعنى يغفر لكم من ذنوبكم ما استغفرتموه منها.
قوله :﴿وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى﴾.
قال الزمخشريُّ : فإن قلت : كيف قال :" يُؤخِّركُمْ " مع إخباره بامتناع تأخيره ؟.
قلتُ : قضى الله أنَّ قوم نوحٍ إن آمنوا عمَّرهُم ألف سنةٍ، وإن بقُوا على كفرهم أهلكهم على رأس تسعمائة، قيل لهم : إن آمنتم أخِّرتُم إلى الأجلِ الأطولِ، ثم أخبرهُم أنه إذا جاء ذلك الأجل الأمد لا يؤخَّرُ انتهى.
وقد تعلَّق بهذه الآية من يقول بالأجلين وتقدم جوابه.
وقال ابن عباسٍ : أي : يُنْسِىءُ في أعماركم، ومعناه : أنَّ الله - تعالى - كان قضى قبل خلقهم، إنْ هم آمنوا بارك في أعمارهم وإن لم يؤمنوا عوجلوا بالعذاب.
وقال مقاتل : يؤخركم إلى منتهى أعماركم في عافية فلا يعاقبكم بالقحطِ وغيره، فالمعنى على هذا : يؤخركم من العقوبات والشدائد إلى آجالكم.
٣٨٢