سورة الانشقاق
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٦٧
يقول الحق جلّ جلاله :﴿إِذا السماءُ انشقتْ﴾ أي : تشقّقت أبواباً لنزول الملائكة في الغمام، أو : انشقت وطُويت كطي السجل للكتاب، ﴿وأَذِنَتْ لربها﴾ أي : استمعت، وفي الحديث :" ما أَذِنَ اللهُ لشيءٍ إذنه لنبيٍّ يتغَنَّى بالقرآن " أي : ما استمع، أي : انقادت وأذعنت لتأثير قدرته تعالى حين تعلّقت إرادته بانشقاقها، ولم تأبَ ولم تمتنع، ﴿وحُقَّتْ﴾ أي : وحقَّ لها أن تسمع وتطيع لأمر ربها، إذ هي مصنوعة مربوبة لله تعالى.
﴿وإِذا الأرضُ مُدَّتْ﴾ ؛ بُسطت وسُويت باندكاك جبالها وكِّل أمتٍ فيها حتى تصير كالصحفية الملساء، عن أبن عباس : تُمدّ مَدَّ الأديم العُكاظي، منسوب إلى عكاظ سوق بين نخلة والطائف، كانت تعمره الجاهلية في ذي القعدة، عشرين يوماً، تجمع فيه قبائل العرب، فيتعاكظون، أي : يتغامزون ويتناشدون، قاله في القاموس. ﴿وألقتْ ما فيها﴾ أي : رمت ما في جوفها من الموتى والكنوز، كقوله تعالى :﴿وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ أَثْقَالَهَا﴾ [الزلزلة : ٢]. ﴿وتخلتْ﴾ منها فلم يبقَ في جوفها شيء، وذلك ما يُؤذن بعِظَم الأمر، كما تلقي الحامل ما في بطنها قبل الوضع. ﴿وأَذِنَتْ لربها﴾ أي : استمعت في إلقاء ما في بطنها، وتخليتها عنه، ﴿وحُقتْ﴾ أي : وهي حقيقة بأن تنقاد لربها ولا تمتنع، ولكن لا بُعد إن لم تكن كذلك، بل في نفسها وحَد ذَاتِها، من قولهم : هو محقوق بكذا، أو حقيق به، والمعنى : انقادت لربها وهي حقيقة بذلك مِن ذاتها، وكذلك يقال في انشقاق السماء. انظر أبا السعود. وجواب (إذا) محذوف، ليذهب المقدِّر كلَّ مذهب، أي : كان من الأمر
٢٦٨
الهائل ما يقصر عنه الوصف، أو حذف اكتفاءً بما تقدّم في سورة التكوير والانفطار، أو ما دلّ عليه ﴿فملاقيه﴾ أي : إذا السماء انشقت لاقى الإنسان كدْحَهُ. والله تعالى أعلم.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٦٨


الصفحة التالية
Icon