سورة الطارق
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٨٠
يقول الحق جلّ جلاله :﴿والسماءِ والطارقِ﴾، عظّم تعالى قَدْر السماءِ في أعين الخلق ؛ لكونها معدن رزقهم، ومسكن ملائكته، وفيها خلق الجنّة، فأقسم بها وبالطارق، والمراد : جنس النجوم، أو جنس الشهُب التي يُرجم بها، لعِظم منفعتها، ثم عظَّمه ونوّه به، فقال :﴿وما أدراك ما الطارقُ﴾ بعد أن فخّمه بالإقسام به، تنبيهاً على رفعة قدره بحيث لا يناله إدراك الخلق، فلا بد من تلقَّيه من الخلاّق العليم، أي : أيّ شيء أعلمك بالطارق، ثم فسّره بقوله :﴿النجمُ الثاقبُ﴾ ؛ المضيء، فكأنّه يثقب الظلام بضوئه فينفذ فيه، ووصف بالطارق لأنه يبدو بالليل، كما يُقال للآتي ليلاً : طارق، أو : لأنه يطرق الجنِّيَّ، أي : يُصكّه. وقيل : المراد به كوكب معهود، قيل : هو الثريا، وقيل زُحل، وقيل الجدي.
ثم ذكر المقسَم عليه، فقال :﴿إِن كُلُّ نفسٍ لمَّا عليها حافظٌ﴾، " إن " نافية، و " لمّا " بمعنى " إلاّ " في قراءة مَن شدّدها، وهي لغة هذيل، يقولون :" نشدتك الله لمّا قمت " أي : إلاّ قمت، أي : ما كل نفس إلاّ عليها حافظ مهيمن رقيب، وهو الله عزّ وجل، كما في قوله تعالى :﴿وَكَانَ اللَّهُ عَلَىا كُلِّ شَيْءٍ رَّقِيباً﴾ [الأحزاب : ٥٢] أو : مَن يحفظ عملها، ويحصي عليها ما تكسب من خير أو شر، كما في قوله تعالى :﴿وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ(١٠)﴾ [الانفطار : ١٠] أو : مَن يحفظها من الآفات، ويذب عنها، كما في قوله تعالى :﴿لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ
٢٨١
يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ﴾ [الرعد : ١١]، وفي الحديث عنه ﷺ :" وكِّل بالمؤمن ستون ومائة ملك، يذبون عنه ما لم يُقدّر عليه، كما يذب عن قصعة العسل الذبابَ، ولو وكل المرء إلى نفسه طرفة عين لاختطفته الشياطين " ثم قرأ ﷺ :﴿إن كل نَفْس..﴾ الخ. و " ما " : صلة في قراءة من خفف، أي : إنه، أي : الأمر والشأن كل نفس لعليها حافظ.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٨١