سورة الكافرون
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٣٦٢
يقول الحق جلّ جلاله :﴿قل يا أيها الكافرون﴾ المخاطَبون كفرة مخصوصون، عَلِمَ الله أنهم لا يُؤمنون. رُوي أنَّ رهطاً من صناديد قريش قالوا : يا محمد هلم تتبع ديننا ونتبع دينك، تعبد آلهتنا سنة، ونعبد إلهك سنة، فإن كان دينك خيراً شَرَكْناك فيه، وإن كان ديننا خيراً شركتنا في أمرنا، فقال :" معاذ الله أن نُشرك بالله غيره " فنزلت، فغدا إلى المسجد الحرام، وفيه الملأ من قريش، فقرأها عليهم، فأيسوا.
أي : قل لهم :﴿لا أعْبُدُ ما تعبدون﴾ فيما يُستقبل ؛ لأنَّ " لا " إذا دخلت على المضارع خلصته للاستقبال، أي : لا أفعل في المستقبل ما تطلبونه مني من عبادة آلهتكم، ﴿ولا أنتم عابدون ما أعبدُ﴾ أي : ولا أنتم فاعلون في الحال ما أطلب منكم من عبادة إلهي، ﴿ولا أنا عابد ما عبدتم﴾ أي : وما كنت قط عابداً فيما سلف ما عبدتم فيه، ولم يعهد مني عبادة صنم، فكيف يرجى مني في الإسلام ؟ ﴿ولا أنتم عابدون ما أعبدُ﴾ أي : وما عبدتم في وقت من الأوقات ما أنا على عبادته. وقيل : إنَّ هاتين الجملتين لنفي العبادة حالاً، كما أنَّ الأوليين لنفيها استقبالاً. وإيثار " ما " في (ما أعبد) على " من " ؛ لأنَّ المراد هو الوصف، كأنه قيل : ما أعبد من المعبود العظيم الشأن الذي لا يُقادر قدر عظمته. وقيل " ما " مصدرية، أي : لا أعبد عبادتكم، ولا تعبدون عبادتي، وقيل : الأوليان بمعنى " الذي "، والأخريان مصدريتان.
وقوله تعالى :﴿لكم دينكُم وليَ دِينِ﴾ تقرير لِما تقدّم، والمعنى : إنَّ دينكم الفاسد، الذي هو الإشراك، مقصور عليكم، لا يتجاوزه إلى الحصول ليّ، كما تطمعون فيه، فلا
٣٦٣
تُعلِّقوا به أطماعكم الفارغة، فإنَّ ذلك من المحالات، كما أنَّ ديني الحق لا يتجاوزني إليكم، لِما سبق لكم من الشقاء. والقصر المستفاد من تقديم المسند قصر إفراد حتماً. والله تعالى أعلم.