سورة النصر
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٣٦٤
يقول الحق جلّ جلاله :﴿إِذا جاء نَصْرُ اللهِ﴾ " إذا " ظروف لِما يُستقبل، والعامل فيه :﴿فسبِّح﴾، والنصر : الإعانة والإظهار على العدوّ، والفتح : فتح مكة، أو فتح البلاد، والإعلام بذلك قبل الوقوع من أعلام النبوة، إذا قلنا نزلت قبل الفتح، وعليه الأكثر، والمعنى : إذا جاءك نصر الله، وظَهَرْتَ على العرب، وفتح عليك مكة أو سائر بلاد العرب، فَأَكْثِر من التسبيح والاستغفار، تأهُّباً للقاء أو شكراً على النِعم، والتعبير عن حصول الفتح بالمجيء للإيذان بأنّ حصوله على جناح الوصول عن قريب.
وقيل : نزلت أيام التشريق بمِنىً في حجة الوداع، وعاش بعدها النبيُّ ﷺ ثمانين يوماً، فكلمة (إذا) حينئذ باعتبار أنَّ بعض ما في حيزها ـ أعني : رؤية دخول الناس أفواجاً ـ غير منقض بعدُ. وكان فتح مكة لعَشْرٍ من شهر رمضان، سنة ثمان، ومع النبي ﷺ عشرة آلاف من المهاجرين والأنصار وطوائف العرب، وأقام بها خمس عشرة ليلة. وحين دخلها وقف على باب الكعبة، ثم قال :" لا إله إلا الله وحده لا شريك له، صدق وعده، ونصر عبده، وهَزَم الأحزابَ وحده "، ثم قال :" يا أهل مكة ؛ ما ترون إني فاعل بكم ؟ " قالوا : خيراً، أخ كريم، وابن أخ كريم، قال :" اذهبوا فأنتم الطُلقاء " فأعتقهم رسولُ الله ﷺ، وقد كان الله تعالى أمكنه من رقابهم عنوة، وكانوا لهم فيئاً، ولذلك سُمي أهل مكة الطُلقاء، ثم بايعوه على الإسلام، ثم خرج إلى هوازن.
ثم قال تعالى :﴿ورأيتَ الناسَ﴾ أي : أبصرتهم، أو علمتهم ﴿يدخلون في دينِ الله﴾ أي : ملة الإسلام، التي لا دين يُضاف إليه تعالى غيرها. والجملة على الأول : حال من " الناس "، وعلى الثاني : مفعول ثان لرأيت، و ﴿أفواجاً﴾ حال من فاعل " يدخلون " أي :
٣٦٥
يدخلون جماعة بعد جماعة، تدخل القبيلة بأسرها، والقوم بأسرهم، بعدما كانوا يدخلون واحداً واحداً، وذلك أنَّ العرب كانت تقول : إذا ظفر محمدٌ بالحرم ـ وقد كان آجرهم الله من أصحاب الفيل ـ فليس لكم به يدان، فلما فُتحت مكة جاؤوا للإسلام أفواجاً بلا قتال، فقد أسلم بعد فتح مكة بَشَرٌ كثير، فكان معه في غزوة تبوك سبعون ألفاً. وقال أبو محمد بن عبد البر : لم يمت رسولُ الله ﷺ وفي العرب كافر، وقد قيل : إنَّ عدد المسلمين عند موته : مائة ألف وأربعة عشر ألفاً. هـ.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٣٦٥