" صفحة رقم ٣٦٤ "
يبصرونها وما يحل بهم من العذاب والأسر والقتل، أو سوف يبصرونك وما يتم لك من الظفر بهم والنصر عليهم. وأمره بإبصارهم إشارة إلى الحالة المنتظرة الكائنة لا محالة، وأنها قريبة كأنها بين ناظريه بحيث هو يبصرها، وفي ذلك تسلية وتنفيس عنه عليه السلام. ) أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ ( : استفهام توبيخ.
( فَإِذَا نَزَلَ ( هو، أي العذاب، مثل العذاب النازل بهم بعد ما أنذره، فأنكروه بحيث أنذر بهجومه قومه وبعض صناعهم، فلم يلتفتوا إلى إنذراه، ولا أخذوا أهبته، ولا دبروا أمرهم تدبير ينجيهم حتى أناخ بفنائهم، فشن عليهم الغارة، وقطع دابرهم. وكانت عادة مغازيهم أن يغيروا صباحاً، فسميت الغارة صباحاً، وإن وقعت في وقت آخر. وما فصحت هذه الآية، ولا كانت له الروعة التي يحسن بها، ويرونك موردها على نفسك وطبعك إلا لمجيئها على طريقة التمثيل، قاله الزمخشري. وقرأ الجمهور : مبنياً للفاعل ؛ وابن مسعود : مبنياً للمفعول ؛ وساحتهم : هو القائم مقام الفاعل. ونزل ساحة فلان، يستعمل فيما ورد على الإنسان من خير أو شر ؛ وسوء الصباح : يستعمل في حلول الغارات والرزايات ؛ ومثل قول الصارخ : يا صباحاه ؛ وحكم ساء هنا حكم بئس. وقرأ عبد الله : فبئس، والمخصوص بالذم محذوف تقديره : فساء صباح المنذرين صباحهم. ) وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ ( : كرر الأمر بالتولي، تأنيساً له عليه الصلاة والسلام، وتسلية وتأكيد لوقوع الميعاد ؛ ولم يقيد أمره بالإبصار، كما قيده في الأول، إما لاكتفائه به في الأول فحذفه اختصاراً، وإما لما في ترك التقييد من جولان الذهن فيما يتعلق به الإبصار منه من صنوف المساءات، والإبصار منهم من صنوف المساآت. وقيل : أريد بالأول عذاب الدنيا، وبالآخرة عذاب الآخرة.
وختم تعالى هذه السورة بتنزيهه عن ما يصفه المشركون، وأضاف الرب إلى نبيه تشريفاً له بإضافته وخطابه، ثم إلى العزة، وهي العزة المخلوقة الكائنة للأنبياء والمؤمنين، وكذلك قال الفقهاء من جهة أنها مربوبة. وقال محمد بن سحنون وغيره : من حلف بعزة الله تعالى إلى يريد عزته التي خلقت بين عباده، وهي التي في قوله :) رَبّ الْعِزَّةِ (، فليست بيمين. وقال الزمخشري : أضيف الرب إلى العزة لاختصاصه بها، كأنه قيل : ذو العزة، كما تقول : صاحب صدق لاختصاصه بالصدق. انتهى. فعلى هذا تنعقد اليمين بعزة الله لأنها صفة من صفاته. قال : ويجوز أن يراد أنه ما من عزة لأحد من الملوك وغيرهم إلا وهو ربها ومالكها، لقوله :) وَتُعِزُّ مَن تَشَاء ). وعن علي، كرم الله وجهه :( من أحب أن يكتال بالمكيال الأوفى من الأجر يوم القيامة فليكن آخر كلامه إذا قام من مجلسه :) سُبْحَانَ رَبّكَ رَبّ الْعِزَّةِ (، إلى آخر السورة.
( سورة ص )
مكية
بسم الله الرحمن الرحيم