صفحة رقم ١٠٤
التي قد خلت في عباده وخسر هنالك الكافرون " ( قوله تعالى :( الله الذي جعل لكم الأنعام لتركبوا منها ومنها تأكلون ولكم فيها منافع ( أي في أصوافها وأوبارها وأشعارها وألبانها ) ولتبلغوا عليها حاجة في صدوركم ( أي تحمل أثقالكم من بلد إلى بلد في أسفاركم وحاجاتكم ) وعليها وعلى الفلك تحملون ( أي على الإبل في البر وعلى السفن في البحر ) ويريكم آياته ( أي دلائل قدرته ) فأي آيات الله تنكرون ( يعني أن هذه الآيات التي ذكرها ظاهرة باهرة فليس شيء منها يمكن إنكاره.
قوله تعالى :( أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أكثر منهم وأشد قوة وآثاراً في الأرض ( يعني مصانعهم وقصورهم والمعنى لو سار هؤلاء في أطراف الأرض لعرفوا أن عاقبة هؤلاء المنكرين المتمردين الهلاك والبوار مع أنهم كانوا أكثر عدداً وأموالاً من هؤلاء ) فما أغنى عنهم ( أي لم ينفعهم ) ما كانوا يكسبون ( أي أي شيء أغنى عنهم كسبهم ) فلما جاءتهم رسلهم بالبينات فرحوا ( أي رضوا ) بما عندهم من العلم ( قيل هو قولهم لن نبعث ولن نعذب وقيل هو علمهم بأحوال الدنيا سمي ذلك علماً على ما يدعونه ويزعمونه وهو في الحقيقة جهل ) وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون فلما رأوا بأسنا ( أي عذابنا ) قالوا آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين ( أي تبرأنا مما كنا نعدل بالله ) فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا سنة الله التي قد خلت في عباده ( يعني أن سنة الله قد جرت في الأمم الخالية بعدم قبول الإيمان عند معاينة البأس وهو العذاب يعني بتلك السنة أنهم إذا رأوا العذاب آمنوا ولا ينفعهم إيمانهم عند معاينة العذاب ) وخسر هنالك الكافرون ( يعني بذهاب الدارين قيل الكافر خاسر في كل وقت ولكنه يتبين خسرانه إذا رأى العذاب والله سبحانه وتعالى أعلم بمراده وأسرار كتابه.
سورة فصلت
( تفسير سورة فصلت وتسمى سورة السجدة وسورة المصابيح مكية ) ( وهي أربع وخمسون آية وسبعمائة وست وتسعون كلمة وثلاثة آلاف وثلثمائة وخمسون حرفاً ).
( بسم الله الرحمن الرحيم ) )

فصلت :( ١ - ٧ ) حم


" حم تنزيل من الرحمن الرحيم كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون بشيرا ونذيرا فأعرض أكثرهم فهم لا يسمعون وقالوا قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه وفي آذاننا وقر ومن بيننا وبينك حجاب فاعمل إننا عاملون قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فاستقيموا إليه واستغفروه وويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم كافرون " ( قوله عز وجل :( حم تنزيل من الرحمن الرحيم كتاب فصلت آياته ( أي بينت وميزت وجعلت معاني مختلفة من أحكام وأمثال ومواعظ ووعد ووعيد ) قرآناً عربياً ( أي باللسان العربي ) لقوم يعلمون ( أي إنما أنزلناه على العرب بلغتهم ليفهموا منه والمراد ولو كان بغير لسانهم ما فهموه ) بشيراً ونذيراً ( نعتان للقرآن أي بشيراً لأولياء الله بالثواب ونذيراً لأعدائه بالعقاب ) فأعرض أكثرهم ( أي عنه ) فهم لا يسمعون ( أي لا يصغون إليه تكبراً ) وقالوا ( يعني مشركي مكة ) قلوبنا في أكنة ( أي أغطية ) مما تدعونا إليه ( أي فلا نفقه ما تقول ) وفي آذاننا وقر ( أي صمم فلا نسمع ما تقول والمعنى أنا في ترك القبول منك بمنزلة من لا يفهم ولا يسمع ) ومن بيننا وبينك حجاب ( أي خلاف في الدين وحاجز في الملة فلا نوافقك على ما تقول ) فاعمل ( أي أنت على دينك ) إننا عاملون ( أي على ديننا ) قل ( يا محمد ) إنما أنا بشر مثلكم ( أي كواحد منكم ) يوحى إليّ ( أي لولا الوحي ما دعوتكم، قال الحسن : علمه الله تعالى التواضع ) إنما إلهكم إله واحد فاستقيموا إليه ( أي توجهوا إليه بطاعته ولا تميلوا عن سبيله ) واستغفروه ( أي من ذنوبكم وشرككم ) وويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة ( قال ابن عباس : لا يقولون لا إله إلا الله لأنها زكاة الأنفس، والمعنى لا يطهرون أنفسهم من الشرك بالتوحيد.
وقيل : لا يقرون بالزكاة المفروضة ولا يرون إتيانها واجباً يقال الزكاة قنطرة الإسلام فمن قطعها نجا ومن تخلف عنها هلك، وقيل : معناه لا ينفقون في طاعة الله ولا يتصدقون، وقيل : لا يزكون أعمالهم ) وهم بالآخرة هم كافرون ( أي جاحدون بالبعث بعد الموت.

فصلت :( ٨ - ١١ ) إن الذين آمنوا...


" إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم أجر غير ممنون قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين " ( ) إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم أجر غير ممنون ( قال ابن عباس : غير مقطوع، وقيل : غير منقوص، وقيل : غير ممنون عليهم به، وقيل : غير محسوب.
قيل نزلت هذه الآية في المرضى والزمنى والهرمى إذا عجزوا عن العمل والطاعة يكتب لهم الأجر كأصح ما كانوا يعملون فيه
( خ ) عن أبي موسى الأشعري قال سمعت رسول الله


الصفحة التالية
Icon