نعلم إنما هو لتقصيرنا فيما نعلم.
وعن فضيل : والذين جاهدوا في طلب العلم لنهدينهم سبل العمل به.
وعن سهل : والذين جاهدوا في إقامة السنة لنهدينهم سبل الجنة.
وعن ابن عطاء : جاهدوا في رضانا لنهدينهم الوصول إلى محل الرضوان.
وعن ابن عباس : جاهدوا في طاعتنا لنهدينهم سبل ثوابنا.
وعن الجنيد : جاهدوا في التوبة لنهدينهم سبل الإخلاص، أو جاهدوا في خدمتنا لنفتحن عليهم سبل المناجاة معنا والأنس بنا، أو جاهدوا في طلبنا تحرياً لرضانا لنهدينهم سبل الوصول إلينا.
﴿ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [العنكبوت : ٦٩] بالنصرة والمعونة في الدنيا وبالثواب والمغفرة في العقبى.
٣٨٣
سورة الروم
(مكية وهي ستون أو تسع وخمسون آية والاختلاف في بضع سنين)
﴿ الاـم * غُلِبَتِ الرُّومُ ﴾ أي غلبت فارس الروم ﴿ فِى أَدْنَى الارْضِ ﴾ [الروم : ٣] أي في أقرب أرض العرب لأن الأرض المعهودة عند العرب أرضهم، والمعنى غلبوا في أدنى أرض العرب منهم وهي أطراف الشام، أو أراد أرضهم على إنابة اللام مناب المضاف إليه أي في أدنى أرضهم إلى عدوهم ﴿ وَهُمْ ﴾ أي الروم ﴿ مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ ﴾ [الروم : ٣] أي غلبة فارس إياهم.
وقرىء بسكون اللام فالغلب والغلب مصدران وقد أضيف المصدر إلى المفعول ﴿ سَيَغْلِبُونَ ﴾ فارس، ولا وقف عليه لتعلق ﴿ فِى بِضْعِ سِنِينَ ﴾ [الروم : ٤] به، وهو ما بين الثلاث إلى العشرة.
قيل : احتربت فارس والروم بين أذرعات وبصرى فغلبت فارس الروم والملك بفارس يومئذ كسرى ابرويز فبلغ الخبر مكة فشق على رسول الله صلى الله عليه وسلّم والمؤمنين لأن فارس
٣٨٤
مجوس لا كتاب لهم والروم أهل كتاب، وفرح المشركون وشمتوا وقالوا : أنتم والنصارى أهل كتاب ونحن فارس أميون وقد ظهر إخواننا على أخوانكم ولنظهرن نحن عليكم فنزلت.
فقال لهم أبو بكر : والله ليظهرن الروم على فارس بعد بضع سنين، فقال له أبيّ بن خلف : كذبت فناحبه على عشر قلائص من كل واحد منهما وجعل الأجل ثلاث سنين، فأخبر أبو بكر رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقال عليه السلام " زد في الخطر وأبعد في الأجل " فجعلاها مائة قلوص إلى تسع سنين.
ومات أبيّ من جرح رسول الله صلى الله عليه وسلّم وظهرت الروم على فارس يوم الحديبية أو يوم بدر فأخذ أبو بكر الخطر من ذرية أبيّ فقال عليه السلام :" تصدق به ".
وهذه آية بينة على صحة نبوته وأن القرآن من عند الله لأنها إنباء عن علم الغيب وكان ذلك قبل تحريم القمار.
عن قتادة ومن مذهب أبي حنيفة ومحمد أن العقود الفاسدة كعقد الربا وغيره جائزة في دار الحرب بين المسلمين وقد احتجا على صحة ذلك بهذه القصة.
﴿ لِلَّهِ الامْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ ﴾ [الروم : ٤] أي من قبل كل شيء ومن بعد كل شيء أو حين غلبوا وحين يغلبون كأنه قيل : من قبل كونهم غالبين وهو وقت كونهم مغلوبين، ومن بعد كونهم مغلوبين وهو وقت كونهم غالبين يعني أن كونهم مغلوبين أولاً وغالبين آخراً ليس إلا بأمر الله وقضائه ﴿ وَتِلْكَ الايَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ ﴾ [آل عمران : ١٤٠] ﴿ وَيَوْمَـاـاِذٍ ﴾ ويوم تغلب الروم على فارس ويحل ما وعد الله من غلبتهم ﴿ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ ﴾ [الروم : ٤]
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٨٤
بنصر الله } وتغليبه من له كتاب على من لا كتاب له وغيظ من شمت بهم من كفار مكة.
وقيل : نصر الله هو إظهار صدق المؤمنين فيما أخبروا به المشركين من غلبة الروم، والباء يتصل بـ يفرح فيوقف على الله على " المؤمنين " ﴿ يَنصُرُ مَن يَشَآءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ ﴾ [الروم : ٥] الغالب على أعدائه ﴿ الرَّحِيمُ ﴾ العاطف على أوليائه ﴿ وَعْدَ اللَّهِ ﴾ [النور : ٥٥] مصدر مؤكد لأن قوله وهم من بعد غلبهم سيغلبون وعد من الله
٣٨٥
للمؤمنين، فقوله وعد الله بمنزلة وعد الله المؤمنين وعداً ﴿ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ ﴾ [الروم : ٦] بنصر الروم على فارس ﴿ وَلَـاكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ﴾ [الأعراف : ١٨٧] ذلك
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٨٥


الصفحة التالية
Icon