سورة الشمس
مكية وهي خمس عشرة آية

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿ مُّؤْصَدَةُ * وَالشَّمْسِ وَضُحَـاـاهَا ﴾ [الشمس : ١] وضوئها إذا أشرقت وقام سلطانها ﴿ وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَـاـاهَا ﴾ [الشمس : ٢] تبعها في الضياء والنور وذلك في النصف الأول من الشهر يخلف القمر الشمس في النور ﴿ وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّـاـاهَا ﴾ [الشمس : ٣] جلى الشمس وأظهرها للرائين وذلك عند انتفاخ النهار وانبساطه، لأن الشمس تنجلي في ذلك الوقت تمام الانجلاء.
وقيل : الضمير للظلمة أو للدنيا أو للأرض وإن لم يجر لها ذكر كقوله :﴿ مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِن دَآبَّةٍ ﴾ [فاطر : ٤٥] (فاطر : ٥٤) ﴿ وَالَّيْلِ إِذَا يَغْشَـاـاهَا ﴾ [الشمس : ٤] يستر الشمس فتظلم الآفاق.
والواو الأولى في نحو هذا للقسم بالاتفاق، وكذا الثانية عند البعض.
وعند الخليل : الثانية للعطف لأن إدخال القسم على القسم قبل تمام الأول لا يجوز، ألا ترى أنك لو جعلت موضعها كلمة الفاء أو " ثم " لكان المعنى على حاله؟ وهما حرفاً عطف فكذا الواو.
ومن قال : إنها للقسم احتج بأنها لو كانت للعطف لكان عطفاً على عاملين، لأن قوله ﴿ وَالَّيْلِ ﴾ مثلاً مجرور بواو القسم و ﴿ إِذَا يَغْشَى ﴾ [الليل : ١] منصوب بالفعل المقدر الذي هو أقسم فلو جعلت الواو في ﴿ وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى ﴾ [الليل : ٢] للعطف لكان النهار معطوفاً على الليل جراً، و ﴿ إِذَا تَجَلَّى ﴾ [الليل : ٢] معطوفاً على ﴿ إِذَا يَغْشَى ﴾ [الليل : ١] نصباً فصار كقولك : إن في الدار زيداً أو في
٥٢٧
الحجرة عمراً.
وأجيب بأن واو القسم تنزل منزلة الباء والفعل حتى لم يجز إبراز الفعل معها فصارت كأنها العاملة نصباً وجراً، وصارت كعامل واحد له عملان، وكل عامل له عملان يجوز أن يعطف على معموليه بعاطف واحد بالاتفاق نحو : ضرب زيد عمراً وبكر خالداً، فترفع بالواو وتنصب لقيامها مقام ضرب الذي هو عاملهما، فكذا هنا.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٥٢٧
و " ما " مصدرية في ﴿ وَالسَّمَآءِ وَمَا بَنَـاـاهَا * وَالارْضِ وَمَا طَحَـاـاهَا * وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاـاهَا ﴾ أي وبنائها وطحوها أي بسطها وتسوية خلقها في أحسن صورة عند البعض وليس بالوجه لقوله ﴿ فَأَلْهَمَهَا ﴾ لما فيه من فساد النظم، والوجه أن تكون موصولة وإنما أوثرت على " من " لإرادة معنى الوصفية كأنه قيل : والسماء، والقادر العظيم الذي بناها، ونفس والحكيم الباهر الحكمة الذي سواها.
وإنما نكرت النفس لأنه أراد نفساً خاصة من بين النفوس وهي نفس آدم كأنه قال : وواحدة من النفوس، أو أراد كل نفس، والتنكير للتكثير كما في ﴿ عَلِمَتْ نَفْسٌ ﴾ [التكوير : ١٤] (الانفطار : ٥) ﴿ فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاـاهَا ﴾ [الشمس : ٨] فأعلمها طاعتها ومعصيتها أفهمها أن أحدهما حسن والآخر قبيح ﴿ قَدْ أَفْلَحَ ﴾ [المؤمنون : ١] جواب القسم والتقدير : لقد أفلح، قال الزجاج : صار طول الكلام عوضاً عن اللام.
وقيل : الجواب محذوف وهو الأظهر تقديره ليدمدمن الله عليهم أي على أهل مكة لتكذيبهم رسول الله صلى الله عليه وسلّم كما دمدم على ثمود لأنهم كذبوا صالحاً، وأما ﴿ قَدْ أَفْلَحَ ﴾ [المؤمنون : ١] فكلام تابع لقوله ﴿ فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاـاهَا ﴾ [الشمس : ٨] على سبيل الاستطراد وليس من جواب القسم في شيء ﴿ مَن زَكَّـاـاهَا ﴾ [الشمس : ٩] طهرها الله وأصلحها وجعلها زاكية ﴿ وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّـاـاهَا ﴾ [الشمس : ١٠] أغواها الله، قال عكرمة : أفلحت نفس زكاها الله وخابت نفس أغواها الله.
ويجوز أن تكون التدسية والتطهير فعل العبد، والتدسية : النقص والإخفاء بالفجور وأصل دسّى دسس، والياء بدل من السين المكررة.
﴿ كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاـاهَآ ﴾ [الشمس : ١١] بطغيانها إذ الحامل لهم على التكذيب طغيانهم ﴿ إِذِ انابَعَثَ ﴾ [الشمس : ١٢] حين قام بعقر الناقة ﴿ أَشْقَـاـاهَا ﴾ أشقى ثمود قدار بن سالف
٥٢٨


الصفحة التالية
Icon