ثم عدد عليه نعمه من أول حاله ليقيس المترقب من فضل الله على ما سلف منه لئلا يتوقع إلا الحسنى وزيادة الخير، ولا يضيق صدره ولا يقل صبره فقال ﴿ أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا ﴾ [الضحى : ٦] وهو من الوجود الذي بمعنى العلم والمنصوبان مفعولاه، والمعنى ألم تكن يتيماً حين مات أبواك ﴿ فَـاَاوَى ﴾ أي فآواك إلى عمك أبي طالب وضمك إليه حتى كفلك ورباك ﴿ وَوَجَدَكَ ضَآلا ﴾ [الضحى : ٧] أي غير عالم ولا واقف على معالم النبوة وأحكام الشريعة وما طريقة السمع ﴿ فَهَدَى ﴾ فعرفك الشرائع والقرآن.
وقيل : ضل في طريق الشام حين خرج به أبو طالب فرده إلى القافلة.
ولا يجوز أن يفهم به عدول عن حق ووقوع في غي فقد كان عليه الصلاة السلام من أول حاله إلى نزول الوحي عليه معصوماً من عبادة الأوثان وقاذورات أهل الفسق والعصيان ﴿ وَوَجَدَكَ عَآ ـاِلا ﴾ [الضحى : ٨] فقيراً ﴿ فَأَغْنَى ﴾ فأغناك بمال خديجة أو بمال أفاء عليك من الغنائم ﴿ فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ ﴾ [الضحى : ٩] فلا تغلبه على ماله وحقه لضعفه
٥٣٤
﴿ وَأَمَّا السَّآ ـاِلَ فَلا تَنْهَرْ ﴾ [الضحى : ١٠] فلا تزجره فابذل قليلاً أو رد جميلاً.
وعن السدي : المراد طالب العلم إذا جاءك فلا تنهره ﴿ وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ ﴾ [الضحى : ١١] أي حدث بالنبوة التي آتاك الله وهي أجل النعم، والصحيح أنها تعم جميع نعم الله عليه ويدخل تحته تعليم القرآن والشرائع.
٥٣٥
سورة الشرح
مكية وهي ثمان آيات

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ ﴾ استفهم عن انتفاء الشرح على وجه الإنكار فأفاد إثبات الشرح فكأنه قيل : شرحنا لك صدرك، ولذا عطف عليه اعتباراً للمعنى أي فسحناه بما أودعناه من العلوم والحكم حتى وسع هموم النبوة ودعوة الثقلين، وأزلنا عنه الضيق والحرج الذي يكون مع العمى والجهل، وعن الحسن : مليء حكمة وعلماً ﴿ صَدْرَكَ * وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ ﴾ [الشرح : ٢] وخففنا عنك أعباء النبوة والقيام بأمرها، وقيل : هو زلة لا تعرف بعينها وهي ترك الأفضل مع إتيان الفاضل، والأنبياء يعاتبون بمثلها ووضعه عنه أن غفر له، والوزر : الحمل الثقيل ﴿ الَّذِى أَنقَضَ ظَهْرَكَ ﴾ [الشرح : ٣] أثقله حتى سمع نقيضه وهو صوت الانتقاض ﴿ وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ﴾ [الشرح : ٤] ورفع ذكره أن قرن ذكر الله في كلمة الشهادة والأذان والإقامة والخطب والتشهد وفي غير موضع من القرآن :﴿ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ﴾ [النور : ٥٤] (التغابن : ٢١).
﴿ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ﴾ [الأحزاب : ٧١] (النساء : ٣١).
﴿ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُا أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ ﴾ [التوبة : ٦٢] (التوبة : ٢٦).
٥٣٦
وفي تسميته رسول الله ونبي الله ومنه ذكره في كتب الأولين.
وفائدة لك ما عرف في طريقة الإبهام والإيضاح لأنه يفهم بقوله :﴿ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ ﴾ [الشرح : ١] أن ثم مشروحاً، ثم أوضح بقوله ﴿ صَدْرَكَ ﴾ ما علم مبهماً وكذلك ﴿ لَكَ ذِكْرَكَ ﴾ [الشرح : ٤]، و ﴿ عَنكَ وِزْرَكَ ﴾ [الشرح : ٢].


الصفحة التالية
Icon