﴿ يَـا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لا تَسْـاـاَلُوا عَنْ أَشْيَآءَ ﴾ قال الخليل وسيبويه وجمهور البصريين : أصله " شيئاء " بهمزتين بينهما ألف وهي فعلاء من لفظ شيء وهمزتها الثانية للتأنيث ولذا لم تنصرف كـ " حمراء " وهي مفردة لفظاً جمع معنى، ولما استثقلت الهمزتان المجتمعتان قدمت الأولى التي هي لام الكلمة فجعلت قبل الشين فصار وزنها " لفعاء "، والجملة الشرطية والمعطوفة عليها أي قوله ﴿ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِن تَسْـاَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْءَانُ تُبْدَ لَكُمْ ﴾ صفة لـ " أشياء " أي وإن تسألوا عن هذه التكاليف الصعبة في زمان الوحي وهو ما دام الرسول بين أظهركم " تبد لكم " تلك التكاليف التي تسوؤكم أي تغمكم وتشق عليكم وتؤمرون بتحملها فتعرضون أنفسكم لغضب الله بالتفريط فيها ﴿ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا ﴾ [المائدة : ١٠١] عفا الله عما سلف من مسألتكم فلا تعودوا إلى مثلها ﴿ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ ﴾ [البقرة : ٢٢٥] لا يعاقبكم إلا بعد الإنذار.
٤٣٨
والضمير في ﴿ قَدْ سَأَلَهَا ﴾ [المائدة : ١٠٢] لا يرجع إلى " أشياء " حتى يعدى بـ " عن " بل يرجع إلى المسألة التي دلت عليها " لا تسألوا " أي قد سأل هذه المسألة ﴿ قَوْمٌ مِّن قَبْلِكُمْ ﴾ [المائدة : ١٠٢] من الأولين ﴿ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِهَا ﴾ [المائدة : ١٠٢] صاروا بسببها ﴿ كَـافِرِينَ ﴾ كما عرف في بني إسرائيل.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٤٣٧
﴿ مَا جَعَلَ اللَّهُ مِن بَحِيرَةٍ وَلا سَآ ـاِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حَامٍ ﴾ [المائدة : ١٠٣] كان أهل الجاهلية إذا انتجت الناقة خمسة أبطن آخرها ذكر بحروا إذنها أي شقوها وامتنعوا من ركوبها وذبحها، ولا تطرد عن ماء ولا مرعى واسمها البحيرة.
وكان يقول الرجل : إذا قدمت من سفري أو برأت من مرضي فناقتي سائبة وجعلها كالبحيرة في تحريم الانتفاع بها.
وقيل : كان الرجل إذا أعتق عبداً قال : هو سائبة فلا عقل بينهما ولا ميراث.
وكانت الشاة إذا ولدت سبعة أبطن فإن كان السابع ذكراً أكله الرجال، وإن كان أنثى أرسلت في الغنم، وكذا إن كان ذكراً وأنثى وقالوا : أوصلت أخاها فالوصيلة بمعنى الواصلة.
وإذا نتجت من صلب الفحل عشرة أبطن قالوا : قد حمى ظهره فلا يركب ولا يحمل عليه ولا يمنع من ماء ولا مرعى.
ومعنى " ما جعل " ما شرع ذلك ولا أمر به ﴿ وَلَـاكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ [المائدة : ١٠٣] بتحريمهم ما حرموا ﴿ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ ﴾ [يونس : ٦٩] في نسبتهم هذا التحريم إليه ﴿ وَأَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ ﴾ [المائدة : ١٠٣] أن الله لم يحرم ذلك وهم عوامهم ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَآ أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ ﴾ [النساء : ٦١] أي هلموا إلى حكم الله ورسوله بأن هذه الأشياء غير محرمة ﴿ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ ءَابَآءَنَآ ﴾ [المائدة : ١٠٤] أي كافينا ذلك، " حسبنا " مبتدأ والخبر " ما وجدنا " " وما " بمعنى " الذي " والواو في ﴿ أَوَلَوْ كَانَ ءَابَآؤُهُمْ ﴾ للحال قد دخلت عليها همزة الإنكار وتقديره : أحسبهم ذلك ولو كان آباؤهم ﴿ لا يَعْلَمُونَ شيئا وَلا يَهْتَدُونَ ﴾ [المائدة : ١٠٤] أي الاقتداء إنما يصح بالعالم المهتدي وإنما يعرف اهتداؤه بالحجة ﴿ يَـا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ ﴾ [المائدة : ١٠٥] انتصب " أنفسكم " بـ " عليكم " وهو من
٤٣٩
أسماء الأفعال أي الزموا إصلاح أنفسكم.
والكاف والميم في " عليكم " في موضع جر لأن اسم الفعل هو الجار والمجرور لا على وحدها ﴿ لا يَضُرُّكُم ﴾ [آل عمران : ١٢٠] رفع على الاستئناف، أو جزم على جواب الأمر، وإنما ضمت الراء إتباعاً لضمة الضاد ﴿ مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ﴾ [المائدة : ١٠٥] كان المؤمنون تذهب أنفسهم حسرة على أهل العناد من الكفرة يتمنون دخولهم في الإسلام فقيل لهم : عليكم أنفسكم وما كلفتم من إصلاحها لا يضركم الضّلاّل عن دينكم إذا كنتم مهتدين، وليس المراد ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فإن تركهما مع القدرة عليهما لا يجوز.
﴿ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا ﴾ [المائدة : ٤٨] رجوعكم ﴿ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [المائدة : ١٠٥] ثم يجزيكم على أعمالكم.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٤٣٧


الصفحة التالية
Icon