نعتها ﴿ الَّتِى تَطَّلِعُ عَلَى الافْـاِدَةِ ﴾ [الهمزة : ٧] يعني أنها تدخل في أجوافهم حتى تصل إلى صدورهم وتطلع على أفئدتهم وهي أوساط القلوب، ولا شيء في بدن الإنسان ألطف من الفؤاد ولا أشد تألماً منه بأدنى أذى يمسه، فكيف إذا اطلعت عليه نار جهنم واستولت عليه؟ وقيل : خص الأفئدة لأنها مواطن الكفر والعقائد الفاسدة، ومعنى اطلاع النار عليها أنها تشتمل عليها ﴿ إِنَّهَا عَلَيْهِم ﴾ [الهمزة : ٨] أي النار أو الحطمة ﴿ مُّؤْصَدَةٌ ﴾ مطبقة ﴿ فِى عَمَدٍ ﴾ [الهمزة : ٩] كوفي حفص، الباقون ﴿ مُّؤْصَدَةٌ * فِى عَمَدٍ ﴾ [الهمزة : ٩] وهما لغتان في جمع عماد كإهاب وأهب وحمار وحمر ﴿ مُّمَدَّدَة ﴾ أي تؤصد عليهم الأبواب وتمدد على الأبواب العمد استيثاقاً في استيثاق.
في الحديث :" المؤمن كيس فطن وقاف متثبت لا يعجل عالم ورع، والمنافق همزة لمزة حطمة كحاطب الليل لا يبالي من أين اكتسب وفيم أنفق " والله أعلم.
٥٥٧
سورة الفيل
مكية وهي خمس آيات

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ ﴾ [الفجر : ٦] ﴿ كَيْفَ ﴾ في موضع نصب بـ ﴿ فَعَلَ ﴾ لا بـ ﴿ أَلَمْ تَرَ ﴾ [الحج : ٦٣] لما في ﴿ كَيْفَ ﴾ من معنى الاستفهام، والجملة سدت مسد مفعولي ﴿ تَرَ ﴾ وفي ﴿ أَلَمْ تَرَ ﴾ [الحج : ٦٣] تعجيب أي عجّب الله نبيه من كفر العرب وقد شاهدت هذه العظمة من آيات الله، والمعنى إنك رأيت آثار صنع الله بالحبشة وسمعت الأخبار به متواتراً فقامت لك مقام المشاهدة ﴿ بِأَصْحَـابِ الْفِيلِ ﴾ [الفيل : ١] روي أن أبرهة ابن الصباح ملك اليمن من قبل أصحمة النجاشي، بنى كنيسة بصنعاء وسماها القليس، وأراد أن يصرف إليها الحاج فخرج رجل من كنانة فقعد فيها ليلاً فأغضبه ذلك.
وقيل : أججت رفقة من العرب ناراً فحملتها الريح فأحرقتها فحلف ليهدمن الكعبه، فخرج بالحبشة ومعه فيل اسمه محمود وكان قوياً عظيماً واثنا عشر فيلاً غيره، فلما بلغ المغمس خرج إليه عبد المطلب وعرض عليه ثلث أموال تهامة ليرجع فأبى، وعبى جيشه وقدم الفيل، وكان كلما وجهوه إلى الحرم برك ولم يبرح، وإذا وجهوه إلى اليمن هرول، وأرسل الله طيراً مع كل طائر حجر في منقاره وحجران في رجليه أكبر من العدسة وأصغر من الحمصة، فكان الحجر يقع على رأس الرجل فيخرج من دبره، وعلى كل حجر اسم من يقع عليه
٥٥٧
ففروا وهلكوا، وما مات أبرهة حتى انصدع صدره عن قلبه وانفلت وزيره أبو يكسوم وطائر يحلق فوقه حتى بلغ النجاشي فقص عليه القصة، فلما أتمها وقع عليه الحجر فخر ميتاً بين يديه.
وروي أن أبرهة أخذ لعبد المطلب مائتي بعير فخرج إليه فيها فعظم في عينه وكان رجلاً جسيماً وسيماً.
وقيل : هذا سيد قريش وصاحب عير مكة الذي يطعم الناس في السهل والوحوش في رءوس الجبال، فلما ذكر حاجته قال : سقطت من عيني جئت لأهدم البيت الذي هو دينك ودين آبائك وشرفكم في قديم الدهر، فألهاك عنه ذود أخذلك فقال : أنا رب الإبل وللبيت رب سيمنعه ﴿ أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِى تَضْلِيلٍ ﴾ [الفيل : ٢] في تضييع وإبطال.
يقال : ضلل كيده إذا جعله ضالاً ضائعاً.
وقيل لامرىء القيس : الملك الضليل لأنه ضلل ملك أبيه أي ضيعه يعني أنهم كادوا البيت أوّلاً ببناء القليس ليصرفوا وجوه الحاج إليه فضلل كيدهم بإيقاع الحريق فيه، وكادوه ثانياً بإرادة هدمه فضلل كيدهم بإرسال الطير عليهم ﴿ وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ ﴾ [الفيل : ٣] حزائق الواحدة إبالة.
قال الزجاج : جماعات من ههنا وجماعات من ههنا ﴿ تَرْمِيهِم ﴾ وقرأ أبو حنيفة رضي الله عنهم أي الله أو الطير لأنه اسم جمع مذكر وإنما يؤنث على المعنى ﴿ تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ ﴾ [الفيل : ٤] هو معرب من سنككل وعليه الجمهور أي الآجر ﴿ فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُول ﴾ [الفيل : ٥] زرع أكله الدود.
٥٥٩


الصفحة التالية
Icon