وقوله ﴿ وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدُ ﴾ [الإخلاص : ٤] نفى أن يماثله شيء.
ومن زعم أن نفي الكفء وهو المثل في الماضي لا يدل على نفيه للحال والكفار يدعونه في الحال فقد تاه في غيه، لأنه إذا لم يكن فيما مضى لم يكن في الحال ضرورة إذ الحادث لا يكون كفؤاً للقديم، وحاصل كلام الكفرة يئول إلى الإشراك والتشبيه والتعطيل، والسورة تدفع الكل كما قررنا، واستحسن سيبويه تقديم الظرف إذا كان مستقراً أي خبراً لأنه لما كان محتاجاً إليه قدم ليعلم من أول الأمر أنه خبر لا فضلة، وتأخيره إذا كان لغواً أي فضلة لأن
٥٧١
التأخير مستحق للفضلات.
وإنما قدم في الكلام الأفصح لأن الكلام سيق لنفي المكافأة عن ذات الباريء سبحانه، وهذا المعنى مصبه ومركزه هو هذا الظرف فكان الأهم تقديمه.
وكان أبو عمرو يستحب الوقف على ﴿ أَحَدٌ ﴾ ولا يستحب الوصل، قال عبد الوارث : على هذا أدركنا القراء، وإذا وصل نوّن وكسر أو حذف التنوين كقراءة ﴿ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ ﴾ [التوبة : ٣٠] (التوبة : ٠٣)، بسكون الفاء والهمزة : حمزة وخلف.
﴿ لَّهُ كُفُوًا ﴾ [الإخلاص : ٤] مثقلة غير مهموزة : حفص.
الباقون مثقلة مهموزة.
وفي الحديث :" من قرأ سورة الإخلاص فقد قرأ ثلث القرآن " لأن القرآن يشتمل على توحيد الله وذكر صفاته وعلى الأوامر والنواهي وعلى القصص والمواعظ، وهذه السورة قد تجردت للتوحيد والصفات فقد تضمنت ثلث القرآن، وفيه دليل شرف علم التوحيد وكيف لا يكون كذلك والعلم يشرف بشرف الملعوم ويتضع بضعته، ومعلوم هذا العلم هو الله وصفاته، وما يجوز عليه وما لا يجوز عليه، فما ظنك بشرف منزلته وجلالة محله اللهم احشرنا في زمرة العالمين بك العاملين لك، الراجين لثوابك، الخائفين من عقابك، المكرمين بلقائك، وسمع رسول الله صلى الله عليه وسلّم رجلاً يقرأ ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾ [الإخلاص : ١] فقال : وجبت.
فقيل : يا رسول الله ما وجبت؟ قال : وجبت له الجنة.
٥٧٢
سورة الفلق
مختلفة فيها وهي خمس آيات

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ ﴾ [الفلق : ١] أي الصبح أو الخلق أو هو واد في جهنم أوجبٌّ فيها ﴿ مِن شَرِّ مَا خَلَقَ ﴾ [الفلق : ٢] أي النار أو الشيطان.
و " ما " موصولة والعائد محذوف، أو مصدرية ويكون الخلق بمعنى المخلوق.
وقرأ أبو حنيفة رضي الله عنه ﴿ مِن شَرِّ ﴾ [الفلق : ٢] بالتنوين و " ما " على هذا مع الفعل بتأويل المصدر في موضع الجر بدل من ﴿ شَرِّ ﴾ أي شر خلقه أي من خلق شر، أو زائدة ﴿ وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ ﴾ [الفلق : ٣] الغاسق : الليل إذا اعتكر ظلامه، ووقوبه دخول ظلامه في كل شيء، وعن عائشة رضي الله عنها : أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلّم بيدي فأشار إلى القمر فقال : تعوذي بالله من شر هذا فإنه الغاسق إذا وقب، ووقوبه دخوله في الكسوف واسوداده ﴿ وَمِن شَرِّ النَّفَّـاثَـاتِ فِى الْعُقَدِ ﴾ [الفلق : ٤] النفاثات : النساء أو النفوس أو
٥٧٣
الجماعات السواحر اللاتي يعقدن عقداً في خيوط وينفثن عليها ويرقين، والنفث : النفخ مع ريق وهو دليل على بطلان قول المعتزلة في إنكار تحقق السحر وظهور أثره ﴿ وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ ﴾ [الفلق : ٥] أي إذا ظهر حسده وعمل بمقتضاه لأنه إذا لم يظهر فلا ضرر يعود منه على من حسده بل هو الضار لنفسه لاغتمامه بسرور غيره، وهو الأسف على الخير عند الغير.
والاستعاذة من شر هذه الأشياء بعد الاستعاذة من شر ما خلق إشعار بأن شر هؤلاء أشد، وختم بالحسد ليعلم أنه شرها وهو أول ذنب عصي الله به في السماء من إبليس، وفي الأرض من قابيل.
وإنما عرف بعض المستعاذ منه ونكر بعضه، لأن كل نفاثة شريرة فلذا عرفت ﴿ النَّفَّـاثَـاتِ ﴾ ونكر ﴿ غَاسِقٍ ﴾ لأن كل غاسق لا يكون فيه الشر إنما يكون في بعض دون بعض، وكذلك كل حاسد لا يضر، ورب حسد يكون محموداً كالحسد في الخيرات والله أعلم.
٥٧٤
سورة الناس
مختلف فيها وهي ست آيات

بسم الله الرحمن الرحيم



الصفحة التالية
Icon