سورة محمد
وآياتها ثمانية وثلاثون
﴿الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ﴾ ؛ أي : أعرضوا عن الإسلام وسلوك طريقه من صد صدوداً، فيكون التأكيد والتفسير لما قبله أو منعوا عن ذلك من صده كالمطعمين يوم بدر، فإن مترفيهم أطعموا الجنود يستظهرون على عداوة النبي عليه السلام والمؤمنين، فيكون مخصصاً لعموم قوله : الذين كفروا.
والظاهر أنه عام في كل من كفر وصد.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٤٩٥
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٤٩٦
﴿أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ﴾ ؛ أي : أبطلها وأحبطها وجعلها ضائعة لا أثر لها أصلاً، لا بمعنى أنه أبطلها وأحبطها بعد أن لم تكن بذلك، بل بمعنى أنه حكم ببطلانها وضياعها.
قل ما كانوا يعملونه من أعمال البر، كصلة الأرحام، وقري الأضياف وفك الأسارى وغيرها من المكارم ليس لها أثر من أصلها لعدم مقارنتها للإيمان وأبطل ما عملوه من الكيد لرسول الله عليه السلام والصد عن سبيله بنصر رسوله، وإظهار دينه على الدين كله، وهو الأوفق بقوله :﴿فَتَعْسًا لَّهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ﴾ (محمد : ٨)، وقوله تعالى :﴿فَإِذَا لَقِيتُمُ﴾، إلخ.
﴿وَالَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ يعلم كل من آمن وعمل صالحاً من المهاجرين وأهل الكتاب وغيرهم، وكذا يعم الإيمان بجميع الكتب الإلهية.
﴿وَءَامَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ﴾ أخص
٤٩٦
بالذكر الإيمان بذلك مع اندارجه فيا قبله تنويهاً بشأن المنزل عليه، كما في عطف جبرائيل على الملائكة وتنبيهاً على سمو مكانه من بين سائر ما يجب الإيمان به، وأنه الأصل في الكل، ولذلك أكد بقوله تعالى :﴿وَهُوَ﴾ ؛ أي : ما نزل على محمد ﴿الْحَقِّ﴾ حال كونه ﴿مِّن رَّبِّهِمُ﴾ بطريق حصر الحقية فيه والحق مقابل الباطل ﴿كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّاَاتِهِمْ﴾ ؛ أي : سترها بالإيمان والعمل الصالح ﴿وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ﴾ ؛ أي : حالهم في الدين والدنيا بالتأييد والتوفيق.
قال الراغب في "المفردات" البال التي يكترث لها، ولذلك يقال : ما باليت بكذا ؛ أي : ما اكترثت، ويعبر عن البال بالحال الذي ينطوي عليه الإنسان، فيقال : ما خطر كذا ببالي.
وفي "القاموس" : البال : الحال.
﴿تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ * مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالارْضَ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِلا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُّسَمًّى وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّآ أُنذِرُوا مُعْرِضُونَ * قُلْ أَرَءَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ﴾.


الصفحة التالية
Icon