وفي الآية إشارة إلى أبوة الروح بالنسبة إلى السر والخفي والقلب والنفس والهوى وصفاتها لولادة الكل عن مادة ازدواج الروح مع القالب وإلى نبوة الكل إلى الروح وإلى أخوة السر مع النفس وأخوة القلب مع الهوى وعشيرة عصفاتهما مع الخفي لكون الكل من واد واحد وأصل متحد هو الروح فمن قطع ارتباط التعلق مع النفس والهوى وصفاتهما الظلمانية الشيطاينة بالتوجه الكلى الروحي والسرى والقلبي والخلفي إلى الحضرة الإلهية فهم الذين كتب الله في ألواح قلوبهم وصفاح أسرارهم الإيمان الحقيقي الشهودي العياني وأيدهم بروح الشهود الكلي الجمعي الجامع بين شهود الوحدة الذاتية الحقيقية وبين شهود الكثرة الأسمائية النسبية والجمع بين الشهودين دفعة واحدة من غير تخلل بينهما ومن غير احتجاب أحدهما عن الآخر ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار مياه التجليات الذاتية
٤١٤
والصفاتية والأسمائية المشتملة على العلوم والمعارف والحقائق والحكم على الدوام والاستمرار رضي الله عنهم بفنائهم عن الناسوتية ورضوا عنه ببقائهم بلاهوتيته أولئك حزب الله أي مظاهر ذاته وصفاته وأسمائه ألا إن حزب الله هو المفلحون لقيامهم بقيومية الحق تعالى.
واعلم أنه كائن الدنيا والآخرة يومان متعاقبان متلاصقان فمن ذلك يعبر عن الدنيا باليوم وعن الآخرة بغد ولكل واحدة منهما بنون فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا فإنكم اليوم في دار العمل والإحسان وأنتم غداً في دار الآخرة ولا عمل ونعيم الدنيا منقطع دون نعيم الآخرة ثم إن هذا شأن الأبرار وأما المقربون فهم أهل الله لا أهل الدارين ونعيمهم ما ذكر من التجليات فهم حزب الله حقيقة لكمال نصرتهم في الدين ظاهراً وباطناً.
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٣٨٨
تفسير سورة الحشر
مدنية وآيها أربع وعشرون
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٤١٤
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٤١٥
﴿سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِى السَّمَاوَاتِ وَمَا فِى الأرْضِ﴾ التسبيح تبعيد الله عن السوء وتطهيره عما لا يليق بشأن ألوهيته ويكون بالجنان واللسان والحال والأول اعتقاد العبد بتعاليه عما لا يليق بالألوهية وذلك لأن من معاني التفعيل الاعتقاد بشيء والحكم به مثل التوحيد والتمجيد والتعظيم بمعنى الاعتقاد بالوحدة والمجد والعظمة والحكم بها وعلى هذا المعنى مثل التكفير والتضليل ومثل التجويز والترجيح والثاني القول بما يدل على تعاليه مثل التكبير والتهليل والتأمين بمعنى أن يقول الله أكبر ولا إله إلا الله وآمين وهو المشهور وعند الناس والثالث دلالة المصنوعات على أن صانعها متصف بنعوت الجلال متقدس عن الإمكان وما يتبعه والمفسرون فسروا ما في القرآن من أمثال الآية الكريمة على كل من الثاني والثالث ليعم تسبيح الكل كذا في بعض التفاسير وجمهور المحققين على أن هذا التسبيح تسبيح بلسان العبارة والإشارة لا بلسان الإشارة فقط فجميع الموجودات من العقلاء وغيرهم سبحه تعالى يعني تسبيح ميكويد كه وبه اكى مستأنس ميكند مرخدايرا كه مستحق ثناست.
كما سبق تحقيقه في أول سورة الحديد وفي مواضع أخر من القرآن :
بذكرش هره بيني در خروش است
دلى داند درين معنى كه كوش است
نه بلبل بر كلش تسبيح خوانست
كه هر خاري به توحيدش زبانست
وفي الحديث :"إني لأعرف حجراً بمكة كان سلم علي قبل أن أبعث إني لأعرفه الآن" وعن ابن مسعود رضي الله عنه ولقد كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل على أن شهادة الجوارح والجلود مما نطق به القرآن الكريم وقال مجاهد : كل الأشياء تسبححياً كان أو جماداً وتسبيحها سبحان الله وبحمده وهذا على الإطلاق وأما بالنسبة إلى كل موجود
٤١٥
فالتسابيح مختلفة فلكل موجود تسبيح مخصوص به من حيث ما يقتضيه نشأته كما قال بعض الكبار فإذا رأيت هؤلاء الهوالم مشتغلين بالذكر الذي أنت عليه فكشفك خيالي غير صحيح لا حقيقي وإنما ذلك خيالك أقيم لك في الموجودات فإذا شهدت في هؤلاء تنوعات الأذكار فهو الكشف الصحيح انتهى ﴿وَهُوَ الْعَزِيزُ﴾ ذو العزة القاهرة ﴿الْحَكِيمُ﴾ ذو الحكمة الباهرة وفي إيراد الوصفين بعد التسبيح إشارة إلى الباعث له والداعي إليه لأن العزة أثر الجلال والحكمة أثر الجمال فله الاتصاف بصفات الكمال.