تفسير سورة الفلق
خمس آيات مدينة
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٥٤٠
قل أعوذ برب الفلق} الفلق الصبح لأنه يفلق عنه الليل ويفرق فهو من باب الحذف والإيصال فعل بمعنى مفعول كالصمد والقبض بمعنى المصمود إليه والمقبوض كما مر فإن كل واحد من المفلوق والمفلوق عنه مفعول وذلك إنما يتقق بأن يكون الشيء مستوراً ومحجوباً بآخر ثم يشقق الحجاب الساتر عن وجه المستور ويزول فيظهر ذلك المستور وينكشف بسبب زواله وذلك الحجاب المشقق مفلوق والمحجوب المنكشف بزواله مفلوق عنه والصبح صار مفلوقاً عنه بإزالة ما عليه من ظلمة الليل يقال في المثل هو أبين من فلق الصبح والفلق أيضاً الخلق لأن الممكنات بأسرها كانت أعياناً ثابتة في علم الله مستورة تحت ظلمة العدم فالله تعالى فلق تلك الظلمات بنور التكون والإيجاد فأظهر ما في علمه من المكونات فصارت مفلوقاً عنها وفي تعليق العياذ باسم الرب المضاف إلى الفلق المبنىء عن النور عقيب الظلمة والسعة بعد الضيق والفتق بعد الرتق عدة كريمة بإعادة العائد مما يعوذ منه وإنجائه منه وتقوية لرجائه لتذكير بعض نظائره ومزيد ترغيب له في الجد والاعتناء بقرع باب الالتجاء إليه والاعاذة بربه قالوا إذا طلع الصبح تتبدل الثقلة بالخفة والغم بالسرور روى أن يوسف عليه السلام لما ألقى في الجب وجعت ركبته وجعاً شديداً فبات ليلته ساهراً فلما قرب طلوع الصبح نزل جبريل بإذن الله تعالى يسأله ويأمره بأن يدعو ربه فقال يا جبريل ادع أنت واؤ من فدعا جبريل وأمن يوسف عليهما السلام، فكشف الله تعالى ما كان به من الضر فلما طاب وقت يوسف قال يا جبريل وأنا أدعو أيضاً وتؤمن أنت فسأل يوسف ربه أن يكشف الضر عن جميع أهل البلاء في ذلك الوقت فلا جرم ما من مريض إلا ويجد نوع خفة في آخر الليل وعن بعض الصحابة رضي الله عنهم إنه قدم الشأم فرأى دور أهل الذمة وما هم فيه من خفض العيش وما وسع عليهم به من دنياهم فقال لا أبالي أليس من ورائهم الفلق فقيل وما الفلق قال بيت في جهنم إذا فتح صاح جميع أهل النار ﴿مِن شَرِّ مَا خَلَقَ﴾ أي من شر ما خلقه من الثقلين وغيرهم كائناً ما كان من ذوات الطبائع والاختيار وبالفارسية ازبدي آنه آفريد است ازمؤذيات أنس وجن وسباع وهوام.
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٥٤١
فيشمل جميع الشرور والمضار بدنية كانت أو غيرها من ضرب وقتل وشتم وعض ولدغ وسحر ونحوها وءِّافة الشر إليه لاختصاصه بعالم الخلق المؤسس على امتزاج المواد المتباينة وتفاعل كيفياتها المتضادة المستنبعة للكون والفساد وإما عالم الأمر فهو خير محض منزه عن الشوائب الشر بالكلية وقرأ بعض المعتزلة القائلين بأن الله لم يخلق الشر من شر بالتنوين ما خلق على النفي وهي قراء مردودة مبنية على مذهب باطل الله خالق كل شيء ﴿وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ﴾ تخصيص لبعض الشرور بالذكر مع اندارجه فيما قبله لزيادة مساس الحاجة إلى الاستعاذة منه لكثرة وقوعه ولأن تعيين المستعاذ أدل على الاعتناء بالاستعاذة
٥٤١