صفحة رقم ٥٤٧
سورة الكوثر
وتسمى النحر.
مقصودها المنحة بكل خير يمكن أن يكون، واسمها الكوثر واضح في ذلك وكذا النحر لأنه معروف في نحر الإبل، وذلك غاية الكرم عند العرب ) بسم الله ( الملك الأعظم الجواد الأكرم الذي لا لفائض فضله ) الرحمن ( الذي شمل الخلائق بجوده وفاوت بينهم في صوب وبله ) الرحيم ( الذي خص حزبه بالاهتداء بهديه والاعتصام بحبله.
الكوثر :( ١ - ٣ ) إنا أعطيناك الكوثر
) إِنَّآ أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ ( ( )
لما كانت سورة الدين بإفضاحها ناهية عن مساوئ الأخلاق، كانت بإفهامها داعية إلى معالي الشمين، فجاءت الكوثر لذلك، وكانت الدين قد ختمت بأبخل البخلاء وأدنى الخلائق : المنع تنفيراً من البخل ومما جره من التكذيب، فابتدئت الكوثر بأجود الجود.
العطاء لأشرف الخلائق ترغيباً فيه وندباً إليه، فكان كأنه قيل : أنت يا خير الخلق غير متلبس بشيء مما نهت عنه تلك المختتمة بمنع الماعون :( إنا ( بما لنا من العظمة وأكد لأجل تكذيبهم :( أعطيناك ) أي خولناك مع التمكين العظيم، ولم يقل : آتيناك، لأن الإيتاء أصله الإحاضر وإن اشتهر في معنى الإعطاء ) الكوثر ( الذي هو من جملة الجود على المصدقين بيوم الدين.
ولما كان كثير الرئيس أكثر من كثير غيره، فكيف بالملك فكيف بملك الملوك، فكيف إذا أخرجه في صيغة مبالغة فكيف إذا كان في مظهر العظمه، فكيف إذا بنيت الصيغة على الواو الذي له العلو والغلبة فكيف إذا أتت إثر الفتحة التي لها من ذلك مثل ذلك بل أعظم، كان المعنى : أفضنا عليك وأبحناك من كل شيء من الأعيان والمعاني من العلم والعمل وغيرهما من معادن الدارين ومعاونهما الخير الذي لا غاية له، فلا