الفصل الثالث : المشاركة في الحكم
تمهيد:
إن تولى أهل التوحيد والإيمان أعباء الحكم لدولة غير مؤمنة نوع من أنواع التمكين، وقد أشار القرآن الكريم لهذا النوع من التمكين في قصة يوسف عليه السلام، قال تعالى:﴿اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ﴾ [يوسف: ٥٥].
لقد تقدم يوسف عليه السلام بهذا الطلب إلى ملك مصر المشرك من أجل عقيدته ودعوته وتقديم الخير للناس، ولقد تحرك يوسف عليه السلام وفق الإمكانات والظروف التي مرّ بها واستفاد من الفرصة التي سنحت له.
وهذا المسلك الذي اتخذه يوسف عليه السلام يدلنا على أن طرائق نشر الإسلام، ودعوة المجتمعات إلى الإيمان له أكثر من سبيل، كما أن هذا المسلك لا يوجد فيه تناقض بين المبدأ الذي يحمل رايته، وهو أن الحكم لله والعبودية المطلقة للواحد الديان وبين توليه الوزارة، ليجعل المجتمع أقرب إلى دعوة الله، وهذا أمر لا شك فيه، لأن يوسف عليه السلام نشر دعوة التوحيد في السجن فكيف به وهو في سُدّة الحكم.
إن دخول يوسف عليه السلام في الوزارة كان سندًا للحركات الإسلامية المعاصرة التي ترى جواز المشاركة في الحكومات الجاهلية إذا كان للمشاركة مصلحة كبرى أو دفع شر مستطير، ولم يكن بإمكان المشارك أن يغير في الأوضاع تغييرًا جذريًا، وذهب إلى هذا الاجتهاد كثير من العلماء وأهل الحل والعقد في الحركات الإسلامية المعاصرة إلا أن هذه المسألة لم تخل من معارضة بعض الباحثين الذين استدلوا بأدلة تدل على عدم جواز المشاركة في الوزارة التي تحكم بشريعة غير شريعة الله، واعتبر مسألة المشاركة في الحكم من مسائل العقائد، والذي يبحث في هذه المسألة من الناحية الشرعية والممارسات التاريخية يصل إلى نتيجة أن المسألة تدخل تحت السياسة الشرعية للجماعة المسلمة الرشيدة التي تسعى لتحكيم شرع الله والتمكين لدينه؛ ولذلك سنحاول أن نناقش الموضوع مناقشة علمية هادئة بعيدة عن التوتر والتشنج، وإنما مقصدنا الوصول إلى ما يحبه الله ويرضاه.


الصفحة التالية
Icon