أهم موضوعات هذا الجزء
هذا الجزء كله ومنه هذه السورة ذو طابع غالب.. سورة مكية فيما عدا سورتي « البينة » و « النصر » وكلها من قصار السور على تفاوت في القصر. والأهم من هذا هو طابعها الخاص الذي يجعلها وحده على وجه التقريب في موضعها واتجاهها، وإيقاعها، وصورها وظلالها، وأسلوبها العام.
إنها طرقات متوالية على الحس. طرقات عنيفة قوية عالية. وصيحات. صيحات بِنوّم غارقين في النوم! نومهم ثقيل! أو بسكارى مخمورين ثقل حسهم الخُمار! أو بلاهين في سامر راقصين في ضجة وتصدية ومكاء! تتوالى على حسهم تلك الطرقات والصيحات المنبثقة من سور هذا الجزء كله بإيقاع واحد ونذير واحد : اصحوا. استيقظوا. انظروا. تلفتوا. تفكروا. تدبروا.. إن هنالك إلهاً. وإن هنالك تدبيراً. وإن هنالك تقديراً. وإن هنالك ابتلاء. وإن هنالك تبعة. وإن هنالك حساباً. وإن هنالك جزاء. وإن هنالك عذاباً شديداً. ونعيماً كبيراً.. اصحوا. استيقظوا. انظروا. تلفتوا. تفكروا. تدبروا.. وهكذا مرة أخرى. وثالثة ورابعة. وخامسة.. وعاشرة.. ومع الطرقات والصيحات يد قوية تهز النائمين المخمورين السادرين هزاً عنيفاً.. وهم كأنما يفتحون أعينهم وينظرون في خمار مرة، ثم يعودون لما كانوا فيه! فتعود اليد القوية تهزهم هزاً عنيفاً؛ ويعود الصوت العالي يصيح بهم من جديد؛ وتعود الطرقات العنيفة على الأسماع والقلوب.. وأحياناً يتيقظ النوام ليقولوا : في إصرار وعناد : لا.. ثم يحصبون الصائح المنذر المنبه بالأحجار والبذاء.. ثم يعودون لما كانوا فيه. فيعود إلى هزهم من جديد.
هكذا خيل إلي وأنا أقرأ هذا الجزء. وأحس تركيزه على حقائق معينة قليلة العدد، عظيمة القدر، ثقيلة الوزن. وعلى إيقاعات معينة يلمس بها أوتار القلوب. وعلى مشاهد معينة في الكون والنفس. وعلى أحداث معينة في يوم الفصل. وأرى تكرارها مع تنوعها. هذا التكرار الموحي بأمر وقصد!
وهكذا يحس القارئ وهو يقرأ :﴿ فلينظر الإنسان إلى طعامه... ﴾ ﴿ فلينظر الإنسان مم خلق؟... ﴾ ﴿ أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت؟ وإلى السمآء كيف رفعت؟ وإلى الجبال كيف نصبت وإلى الأرض كيف سطحت؟ ﴾ وهو يقرأ :{ أأنتم أشد خلقاً أم السمآء بناها؟ رفع سمكها فسواها. وأغطش ليلها وأخرج ضحاها. والأرض بعد ذلك دحاها. أخرج منها مآءها


الصفحة التالية
Icon