المبحث الثالث
مناسبتها لما قبلها
كانت الآيات التي ختمت بها سورة « التحريم » السابقة على هذه السورة، معرضا للصراع بين الخير والشر، والحرب بين الإيمان، والكفر ـ فيما كان من امرأة نوح وامرأة لوط، وخروجهما من المعركة خاسرتين كافرتين.. ثم ما كان من امرأة فرعون، وصراعها مع قوى الشر المحدقة بها من كل جهة، ثم انتصارها، وخروجها من وسط هذا الظلام المطبق، إلى حيث النور والهدى.. ثم كان مما بدئت به سورة « الملك » قوله تعالى :« الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا » ليقرر أن نتيجة هذا الصراع بين المحقّين والمبطلين، والمحسنين والمسيئين ـ إنما تظهر على حقيقتها كاملة يوم القيامة، ولهذا كان مما قضت به حكمة اللّه سبحانه وتعالى أن يكون موت، ثم تكون حياة بعد هذا الموت، ليحاسب الناس على ما عملوا فى الدنيا، من خير أو شر.. فكان من المناسب أن تلتقى هذه الحقيقة التي قررتها سورة « الملك » مع تلك الحقيقة التي ختمت بها سورة « التحريم ».. وبذلك يتأكد المراد منهما معا. (١)
وفي التفسير المنير :" وجه تعلق هذه السورة بما قبلها من وجهين :
١ - وجه عام : وهو أن هذه السورة تؤكد مضمون السورة السابقة في جملتها، فالسورة المتقدمة تبيّن مدى قدرة اللّه وهيمنته وتأييده لرسوله محمد - ﷺ - في مواجهة احتمال ظهور تآمر امرأتين ضعيفتين من نسائه عليه، وهذه السورة توضح بصيغة عامة أن بيد اللّه ملك السموات والأرض ومن فيهن، وأنه القدير على كل شيء.
٢ - وجه خاص : وهو أنه تعالى ذكر في أواخر «التحريم» مثالين فريدين متمثلين بامرأتي نوح ولوط للكافرين، وبامرأة فرعون المؤمنة، ومريم العذراء البتول للمؤمنين، وهذه السورة تدل على إحاطة علم اللّه تعالى وتدبيره وإظهاره في خلقه