المبحث السابع
الثمرات العملية لسورة الملك
الثمرة الأولى - لقد طوفنا في كتب التفسير قديما وحديثاً حول تفسير هذه السورة المباركة، وما هي إلا ومضات مما فتح الله به على هؤلاء الأئمة الأخيار، وإلا فلا يحيط بكلام ربنا إحاطة تامة سواه.
قال تعالى :﴿قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا﴾ (١٠٩) سورة الكهف
" والبحر أوسع وأغزر ما يعرفه البشر. والبشر يكتبون بالمداد كل ما يكتبون وكل ما يسجلون به علمهم الذي يعتقدون أنه غزير! فالسياق يعرض لهم البحر بسعته وغزارته في صورة مداد يكتبون به كلمات اللّه الدالة على علمه فإذا البحر ينفد وكلمات اللّه لا تنفد. ثم إذا هو يمدهم ببحر آخر مثله، ثم إذا البحر الآخر ينفد كذلك وكلمات اللّه تنتظر المداد! وبهذا التصوير المحسوس والحركة المجسمة يقرب إلى التصور البشري المحدود معنى غير المحدود، ونسبة المحدود إليه مهما عظم واتسع.
والمعنى الكلي المجرد يظل حائرا في التصور البشري ومائعا حتى يتمثل في صورة محسوسة. ومهما أوتي العقل البشري من القدرة على التجريد فإنه يظل في حاجة إلى تمثل المعنى المجرد في صور وأشكال وخصائص ونماذج.. ذلك شأنه مع المعاني المجردة التي تمثل المحدود، فكيف بغير المحدود؟ لذلك يضرب القرآن الأمثال للناس ويقرب إلى حسهم معانيه الكبرى بوضعها في صور ومشاهد، ومحسوسات ذات مقومات وخصائص وأشكال على مثال هذا المثال.
والبحر في هذا المثال يمثل علم الإنسان الذي يظنه واسعا غزيرا. وهو - على سعته وغزارته - محدود.