صفات العميان في القرآن الكريم
إعداد
الباحث في القرآن والسنة
علي بن نايف الشحود
((حقوق الطبع متاحة لجميع الهيئات العلمية والخيرية ))
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي القائل :﴿ أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (١٩) ﴾ [الرعد/١٩]والصلاة والسلام الأتمين على سيد الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد :
فقد ذكر الله تعالى في كتابه العزيز العميان، وليس المقصود بهم هنا عميان العينين، بل عميان القلوب والعقول، قال تعالى :﴿ وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آَذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ (١٧٩) ﴾ [الأعراف/١٧٩]
ولقد خلقنا للنار -التي يعذِّب الله فيها مَن يستحق العذاب في الآخرة - كثيرًا من الجن والإنس، لهم قلوب لا يعقلون بها، فلا يرجون ثوابًا ولا يخافون عقابًا، ولهم أعين لا ينظرون بها إلى آيات الله وأدلته، ولهم آذان لا يسمعون بها آيات كتاب الله فيتفكروا فيها، هؤلاء كالبهائم التي لا تَفْقَهُ ما يقال لها، ولا تفهم ما تبصره، ولا تعقل بقلوبها الخير والشر فتميز بينهما، بل هم أضل منها; لأن البهائم تبصر منافعها ومضارها وتتبع راعيها، وهم بخلاف ذلك، أولئك هم الغافلون عن الإيمان بالله وطاعته.
وهؤلاء لا يستمعون لدعوة الحق ولا يسمعونها، بل ويحاربونها بكل ما أوتوا من قوة.
وقد قسمته لثلاثة أبواب :
الباب الأول - صفات العميان
وتحته عشرون مبحثاً
الباب الثاني - نتائج العمى
وتحته سبعة مباحث
الباب الثالث- علاج العمى
وتحته تسعة مباحث
هذا وقد قمت بتفسيرها بشكل مختصر، من أمهات كتب التفسير بما يدلُّ على المراد منها، ولم أجعله تفسيرا مطولا.
قال تعالى :﴿ فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (١٢٣) وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (١٢٤) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا (١٢٥) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آَيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى (١٢٦) ﴾ [طه/١٢٣-١٢٦]
سائلا المولى أن يجعله خالصاً لوجهه الكريم وأن يبعدنا عن العمى وأن يهدينا سواء السبيل، وأن ينفع به كاتبه وقارئه وناقله وناشره في الدارين.
جمع وإعداد
الباحث في القرآن والسنة
علي بن نايف الشحود
في ١٧ رمضان ١٤٢٩ هـ الموافق ل ١٧/٩/٢٠٠٨ م
- - - - - - - - - - - - - - -
تعريف العمى
قال الراغب في مفردات القرآن :
عمى
- العمى يقال في افتقاد البصر والبصيرة، ويقال في الأول: أعمى، وفي الثاني: أعمى وعم، وعلى الأول قوله: ؟أن جاءه الأعمى؟ [عبس/٢]، وعلى الثاني ما ورد من ذم العمى في القرآن نحو قوله: ؟صم بكم عمي؟ [البقرة/ ١٨]، وقوله: ؟فعموا وصموا؟ [المائدة/٧١]، بل لم يعد افتقاد البصر في جنب افتقاد البصيرة عمى حتى قال: ؟فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور؟ [الحج/٤٦]، وعلى هذا قوله: ؟الذين كانت أعينهم في غطاء عن ذكري؟ [الكهف/١٠١]، وقال: ؟ليس على الأعمى حرج؟ [الفتح/ ١٧]، وجمع أعمى عمي وعميان. قال تعالى: ؟بكم عمي؟ [البقرة/١٧١]، ؟صما وعميانا؟ [الفرقان/٧٣]، وقوله: ؟ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا؟ [الإسراء/٧٢]، فالأول اسم الفاعل، والثاني قيل: هو مثله، وقيل: هو أفعل من كذا، الذي للتفضيل لأن ذلك من فقدان البصيرة، ويصح أن يقال فيه: ما أفعله، وهو أفعل من كذا، ومنهم من حمل قوله تعالى: ؟ومن كان في هذه أعمى؟ [الإسراء/٧٢]، على عمى البصيرة والثاني على عمى البصر، وإلى هذا ذهب أبو عمرو (هو أبو عمرو بن العلاء توفي سنة ١٥٤. انظر: ترجمته في بغية الوعاة ٢/٢٣١؛ وانظر: قول أبي عمرو هذا في البصائر ٤/١٠٣.
قال الدمياطي: وقرأ أبو عمرو بإمالة الأول محضة بكونه ليس أفعل تفضيل، وفتح الثاني لأنه للتفضيل، ولذا عطف عليه: و(أضل). انظر: الإتحاف ص ٢٨٥. وهو عكس ما قاله الراغب)، فأمال الأولى لما كان من عمى القلب، وترك الإمالة في الثاني لما كان اسما، والاسم أبعد من الإمالة. قال تعالى: ؟ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آَذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى ؟ [فصلت/٤٤]، ؟إنهم كانوا قوما عمين؟ [الأعراف/٦٤]، وقوله: ؟ونحشره يوم القيامة أعمى؟ [طه/١٢٤]، ؟ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا وبكما وصما؟ [الإسراء/٩٧]، فيحتمل لعمى البصر والبصيرة جميعا. وعمي عليه، أي: اشتبه حتى صار بالإضافة إليه كالأعمى قال: ؟فعميت عليهم الأنباء يومئذ؟ [القصص/٦٦]، ؟وآتاني رحمة من عنده فعميت عليكم؟ [هود/٢٨]. والعماء: السحاب، والعماء: الجهالة، وعلى الثاني حمل بعضهم ما روي أنه [قيل: أين كان ربنا قبل أن خلق السماء والأرض؟ قال: في عماء تحته عماء وفوقه عماء] (الحديث عن أبي رزين العقيلي قال: قلت: يا رسول الله، أين كان ربنا قبل أن يخلق خلقه؟ قال: (كان في عماء ما تحته هواء، وما فوقه هواء، وخلق عرشه على الماء). أخرجه الترمذي وقال: حديث حسن، وقال ابن العربي: قد رويناه من طرقه، وهو صحيح سندا ومتنا. انظر: عارضة الأحوذي ١١/٢٧٣؛ وأخرجه أحمد في المسند ٤/١١؛ وابن ماجه ١/٦٤)، قال: إن ذلك إشارة إلى أن تلك حالة تجهل، ولا يمكن الوقوف عليها، والعمية: الجهل، والمعامي: الأغفال من الأرض التي لا أثر بها.
ــــــــــــ