﴿١ - ٢﴾ ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾.
يمدح الله تعالى نفسه الكريمة المقدسة، على خلقه السماوات والأرض، وما اشتملتا عليه من المخلوقات، لأن ذلك دليل على كمال قدرته، وسعة ملكه، وعموم رحمته، وبديع حكمته، وإحاطة علمه.
ولما ذكر الخلق، ذكر بعده ما يتضمن الأمر، وهو: أنه ﴿جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلا﴾ في تدبير أوامره القدرية، ووسائط بينه وبين خلقه، في تبليغ أوامره الدينية.
وفي ذكره أنه جعل الملائكة رسلا ولم يستثن منهم أحدا، دليل على كمال طاعتهم لربهم وانقيادهم لأمره، كما قال تعالى: ﴿لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾
ولما كانت الملائكة مدبرات بإذن الله، ما جعلهم الله موكلين فيه، ذكر قوتهم على ذلك وسرعة سيرهم، بأن جعلهم ﴿أُولِي أَجْنِحَةٍ﴾ تطير بها، فتسرع بتنفيذ ما أمرت به. ﴿مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ﴾ أي: منهم من له جناحان وثلاثة وأربعة، بحسب ما اقتضته حكمته.
﴿يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ﴾ أي: يزيد بعض مخلوقاته على بعض، في صفة خلقها، وفي القوة، وفي الحسن، وفي زيادة الأعضاء المعهودة، وفي حسن الأصوات، ولذة النغمات.
﴿إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ فقدرته تعالى تأتي على ما يشاؤه، ولا يستعصي عليها شيء، ومن ذلك، زيادة مخلوقاته بعضها على بعض.
ثم ذكر انفراده تعالى بالتدبير والعطاء والمنع فقال: ﴿مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ﴾ من رحمته عنهم ﴿فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ﴾ فهذا يوجب التعلق بالله تعالى، والافتقار إليه من جميع الوجوه، وأن لا يدعى إلا هو، ولا يخاف ويرجى، إلا هو. ﴿وَهُوَ الْعَزِيزُ﴾ الذي قهر الأشياء كلها ﴿الْحَكِيمُ﴾ الذي يضع الأشياء مواضعها وينزلها منازلها.
﴿٣ - ٤﴾ ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأرْضِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ﴾.
يأمر تعالى، جميع الناس أن يذكروا نعمته عليهم، وهذا شامل لذكرها بالقلب اعترافا، وباللسان ثناء، وبالجوارح انقيادا، فإن ذكر نعمه تعالى داع لشكره، ثم نبههم على أصول النعم، وهي الخلق والرزق، فقال: ﴿هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأرْضِ﴾
ولما كان من المعلوم أنه ليس أحد يخلق ويرزق إلا الله، نتج من ذلك، أن كان ذلك دليلا على ألوهيته وعبوديته، ولهذا قال: ﴿لا إِلَهَ إِلا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ﴾ أي: تصرفون عن عبادة الخالق الرازق لعبادة المخلوق المرزوق.
﴿وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأمُورُ﴾.
﴿وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ﴾ يا أيها الرسول، فلك أسوة بمن قبلك من المرسلين، ﴿فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ﴾ فأهلك المكذبون، ونجى الله الرسل وأتباعهم. ﴿وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأمُورُ﴾
﴿٥ - ٧﴾ ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ * إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ * الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ﴾.
يقول تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ﴾ -[٦٨٥]- بالبعث والجزاء على الأعمال، ﴿حَقٌّ﴾ أي: لا شك فيه، ولا مرية، ولا تردد، قد دلت على ذلك الأدلة السمعية والبراهين العقلية، فإذا كان وعده حقا، فتهيئوا له، وبادروا أوقاتكم الشريفة بالأعمال الصالحة، ولا يقطعكم عن ذلك قاطع، ﴿فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا﴾ بلذاتها وشهواتها ومطالبها النفسية، فتلهيكم عما خلقتم له، ﴿وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ﴾ الذي هو ﴿الشَّيْطَانُ﴾ الذي هو عدوكم في الحقيقة ﴿فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا﴾ أي: لتكن منكم عداوته على بال، ولا تهملوا محاربته كل وقت، فإنه يراكم وأنتم لا ترونه، وهو دائما لكم بالمرصاد.
﴿إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ﴾ هذا غايته ومقصوده ممن تبعه، أن يهان غاية الإهانة بالعذاب الشديد.
ثم ذكر أن الناس انقسموا بحسب طاعة الشيطان وعدمها إلى قسمين، وذكر جزاء كل منهما، فقال: ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ أي: جحدوا ما جاءت به الرسل، ودلت عليه الكتب ﴿لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ﴾ في نار جهنم، شديد في ذاته ووصفه، وأنهم خالدون فيها أبدا.
﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا﴾ بقلوبهم، بما دعا الله إلى الإيمان به ﴿وَعَمِلُوا﴾ بمقتضى ذلك الإيمان، بجوارحهم، الأعمال ﴿الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ﴾ لذنوبهم، يزول بها عنهم الشر والمكروه ﴿وَأَجْرٌ كَبِيرٌ﴾ يحصل به المطلوب.