متن، ص : ٦١
المعروف بالبحر :(جمع الإمام الرازي فى تفسيره أشياء كثيرة طويلة، لا حاجة بها فى علم التفسير، ولذلك قال بعض العلماء : فيه كل شى إلا التفسير).
ومن هنا صح لنا أن نقول إن «تلخيص البيان» للشريف الرضى هو تفسير لمجازات القرآن واستعاراته، وكشف لطيف دقيق لوجوه البيان فى كتاب اللّه الكريم، ولذا قلّ أن تجد فيه اهتماما بالقصص والأخبار، أو التفاتا إلى أحكام الفقه، إلا ما جاء عارضا فى مسح الرأس، أو اشتغالا بمبحث عقلى فلسفى، لأنه قصد منه أن يكون كتابه تفسيرا للإعجاز البياني فى القرآن لا غير.
والكشف عن بيان القرآن يتطلب أن يكون الكاشف عنه ذا بيان قوى. حتى تكون الوسيلة شريفة شرف غايتها، فلا يعقل أن يكشف عن بلاغة القرآن قاصر الباع فى البلاغة، ضيق الذراع فى الفصاحة، ولذا كان الشريف الرضى أولى من يكشف عن بيان القرآن، فقد رزقه اللّه من سحر البيان، وذلاقة اللسان، ووضوح الحجة، وإشراق الديباجة ما ينهض بالعبء الذي قام به فأحسن القيام.
لقد كان الإمام القرطبي فقيها فغلب عليه الفقه فى تفسيره، وكان الثعلبي إخباريا فغلبت عليه فطرته فى القصص، وكان الفخر الرازي حكيما فيلسوفا فغلبت عليه الفلسفة وهو يفسر كتاب اللّه. وكذلك كان الشريف الرضى، فإنه فرع دوحة البلاغة، وغصن شجرة الفصاحة، وسليل البيت الذي خصه اللّه بالبيان، فغلب ذلك على تفسيره الصغير المسمى «تلخيص البيان»، وقد وصفناه بالصغير على طريق المقابلة، حين وصف هو نفسه تفسيره الآخر بالكتاب الكبير..