متن، ص : ٣٣٠
ومن السورة التي يذكر فيها «الحشر»
[سورة الحشر (٥٩) : آية ٩]
وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٩)
قوله تعالى : وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ [٩] الآية. وهذه استعارة لأن تبوّؤ الدار هو استيطانها والتمكن فيها، ولا يصحّ حمل ذلك على حقيقته فى الإيمان. فلا بدّ إذن من حمله على المجاز والاتساع.
فيكون المعنى أنهم استقروا فى الإيمان كاستقرارهم فى الأوطان. وهذا من صميم البلاغة، ولباب الفصاحة. وقد زاد اللفظ المستعار هاهنا معنى الكلام رونقا. ألا ترى كم بين قولنا : استقرّوا فى الإيمان، وبين قولنا : تبوّءوا الإيمان.
وأنا أقول أبدا إن الألفاظ خدم للمعانى، لأنها تعمل فى تحسين معارضها، وتنميق مطالعها.
[سورة الحشر (٥٩) : آية ٢١]
لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (٢١)
وقوله سبحانه : لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ [٢١] وهذا القول على سبيل المجاز. والمعنى أن الجبل لو كان مما يعى القرآن ويعرف البيان، لخشع فى «١» سماعه، ولتصدّع من عظم شأنه، على غلظ أجرامه، وخشونة أكنافه. فالإنسان أحق بذلك منه، إذ كان واعيا لقوارعه، وعالما بصوادعه.

(١) كذا بالأصل. ولعلها «من».


الصفحة التالية
Icon