متن، ص : ٣٣٣
ومن السورة التي يذكر فيها «الصف»
[سورة الصف (٦١) : آية ٥]
وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ (٥)
قوله سبحانه : فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ [٥] وهذه استعارة. وكنا أغفلنا الكلام على نظيرها فى آل عمران. وهو قوله تعالى : رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا «١» لأن ذلك أدخل فى باب الكلام على الآي المتشابهة، وأبعد من الكلام على الألفاظ المستعارة. إلا أننا رأينا الإشارة إلى هذا المعنى هاهنا، لأنه مما يجوز أن يجرى فى مضمار كتابنا هذا، فنقول :
إن المراد بقوله تعالى : رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا أي لا تحمّلنا من التكاليف ما لا طاقة لنا به، فتزيغ قلوبنا، أي تميل عن طاعتك، وتعدل عن طريق مرضاتك، فتصادفها زائغة، أو يحكم عليها الزيغ عند كونها زائغة.
وقد يجوز أن يكون المراد بذلك : أي أدم لنا ألطافك وعصمك لتدوم قلوبنا على الاستقامة، ولا تزيغ «٢» عن مناهج الطاعة. وحسن أن يقال : لا تزغ قلوبنا بمعنى الرغبة فى إدامة الألطاف، لما كان إعدام تلك الألطاف فى الأكثر يكون عنه زيغ القلوب، ومواقعة الذنوب.
وقد استقصينا الكلام على ذلك فى كتابنا الكبير.
وأما قوله تعالى فى هذه السورة : فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ فهو أوضح فيما يذهب إليه من الأول، لأنه سبحانه لما زاغوا عن الحق حكم عليهم بالزّيغ عنه، وحكمه
(٢) فى الأصل «و لا تزغ» وهو تحريف إذ لا محل لجزم الفعل هنا.