متن، ص : ٣٤٦
ومن السورة التي يذكر فيها «سأل سائل»
[سورة المعارج (٧٠) : الآيات ١٥ الى ١٧]
كَلاَّ إِنَّها لَظى (١٥) نَزَّاعَةً لِلشَّوى (١٦) تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى (١٧)
قوله تعالى : كَلَّا إِنَّها لَظى، نَزَّاعَةً لِلشَّوى، تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى [١٧] وهذه استعارة. والمراد بدعائها من أدبر وتولّى - واللّه أعلم - أنه لما استحقها بإدباره عن الحق صارت كأنها تدعوه إليها، وتسوقه نحوها. وعلى ذلك قول ذى الرّمة «١» فى صفة الثور :
غدا بوهنين مجتازا لمرتعه بذي الفوارس تدعو أنفه الرّبب
والرّبب جمع ربّة، وهى نبت من نبات الصيف.
يقول لما وجد رائحة الربب مضى نحوها فكأنها دعته إلى أكلها. وقد يجوز أيضا أن يكون المراد بذلك أنها لا يفوتها ذاهب، ولا يعجزها هارب. فكأنها تدعو الهارب منها فيجيبها، مدّا له بأسبابها، وردّا له إلى عذابها.
وقال بعض المفسرين : إنه تخرج عنق من النار، فتتناول الكافر حتى تقحمه فيها، فكأنها بذلك الفعل داعية له إلى دخولها.
وقد يجوز أن يكون المراد أنها تدعو من أدبر عن الحق. بمعنى أنها تخوّفه بفظاعة الخبر عنها، وتغليظ الوعيد بها، فكأنها تستعطفه إلى الرشد «٢»، وتستصرفه عن الغى.
وحكى عن المبرّد أنه قال : تدعو من أدبر وتولّى. أي تعذّبه. وحكى عن الخليل أن أعرابيا قال لآخر : دعاك اللّه. أي عذبك اللّه. وقال ثعلب : معنى دعاك اللّه. أي أماتك اللّه. فعلى هذا القول يدخل الكلام فى باب الحقيقة، ويخرج عن حيز الاستعارة.

(١) هو أبو الحارث غيلان بن عقبة. شاعر فحل اشتهر بالتشبيب وبكاء الأطلال ذاهبا مذهب الجاهلين. توفى بأصبهان سنة ١١٧ ه.
(٢) كانت بالأصل :(الرتبة) وهى تحريف. فصوبناها على طريق المقابلة مع الغى.


الصفحة التالية
Icon