اعلم أن الياء في الخط على قسمين: قسم زائد وقسم ناقص كقسمي الواو.
؟فصل
في الياء الزائدة
وذلك علامة اختصاص ملكوتي مثل: (وَالسماءَ بَنيناها بِأَيَيدٍ) كتب بياءين فرقا بين الأيد الذي هي القوة وبين أيدي جمع يد.
ولا شك أن القوة التي بنى الله بها السماء أحق بالثبوت في الوجود من الأيدي فزيدت الياء لاختصاص اللفظة بالمعنى الأظهر في الإدراك الملكوتي في الوجود.
وكذلك زيدت بعد الهمزة في حرفين: (أَفَائِن ماتَ)، (أَفَائِن متّ) وذلك لأن موته مقطوع به والشرط لا يكون في المقطوع به ولا ما رتب على الشرط هو جوابه لأن موته لا يلزم منه خلود غيره ولا رجوعه عن الحق.
فتقديره: أهم الخالدون إن متّ.
فاللفظ للإستفهام والربط، والمعنى لللإنكار والنفي. فزيدت الياء لخصةص هذا المعنى الظاهر للفهم الباطن في اللفظ.
وكذلك زيدت بعد الهمزة في آخر الكلمة في حرف واحد في الأنعام: (مِن نَبَإى المُرسَلين) تنبيها على أنها أنباء باعتبار أخبار باعتبار. وهي ملكوتية ظاهرة.
كذلك: (بأَييُكُم المَفتون) كتبت بياءين تخصيصا لهم بالصفة وحصول ذلك وتحققه في الوجود. فإنهم هم المفتونون دونه. فانفصل حرف أي بياءين لصحة هذا الفرق بينه وبينهم قطعا لكنه " باطن " فهو فهو ملكوتي.
وإنما جاء اللفظ بالإبهام على أسلوب المجاملة في الكلام والإمهال لهم ليقع التدبر والتذكار، كما جاء (وَإِنّا أَو إِياكُم لَعَلى هُدىً أَو في ضَلالٍ مُبين) ومعلوم أنّا على هدى وهم في ضلال.
فصل
في الياء الناقصة في الخط
وهي ضربان: ضرب محذوف في الخط، ثابت في التلاوة.
وضرب محذوف فيهما.
فالضرب الأول: المحذوف في الخط دون اللفظ.
هو باعتبار ملكوتي باطن. وهذا الضرب قسمان: ما هو ضمير المتكلم، وما هو لام " الكلمة ".
فالقسم الأول: إذا كانت الياء ضمير المتكلم مثل: (فَكَيفَ كانَ عَذابي وَنُذُر) ثبتت الأولى لأنه فعل ملكي، وحذفت الثانية لأنه فعل ملكوتي.
وكذلك: (فَما ءاتني اللَهُ خَيرٌ مِمّا آتاكُم) حذفت الياء في الخط باعتبار ما آتاه الله من العلم و النبوة والخير فهو المؤتى الملكوتي الذي من قبيل الآخرة في ضمنه الجسماني الذي للدنيا لأن الجسماني فإن والملكوتي ثابت.
وكذلك: (فَلا تَسأَلنَ ما لَيس لَكَ بِهِ عِلم) هذا المسؤول غيب ملكوتي يدلك عليه قوله تعالى: (ما لَيس لَك بِهِ عِلم) فهو على غير حال (فَلا تَسأَلني عَن شَيءٍ حَتى أُحدِثَ لَكَ مِنهُ ذِكراً) لأن هذا سؤال عن حوادث الملك في مقام المشاهدة مثل: خرق السفينة، وقتل الغلام، وإقام الجدار.
وكذلك في البقرة: (أُجيبُ دَعوَةَ الداعِ إِذا دَعان) فحذف الضمير في الخط دلالة على الدعاء الذي من جهة الملكوت بإخلاص الباطن.
وكذلك: (فَقُل أَسلَمتُ وَجهِيَ لِِلهِ وَمَن اِتّبَعَن) هو الإتباع العلمي في دين الله وطريق الآخرة. يدل على ذلك قوله: (أَسلَمتُ وَجهِي لِله) فهو على غير حال: (فاتبِعوني يُحبِبكُمُ اللَهَ) فإن هذا في الأعمال الظاهرة بالجوارح المقصود بها وجه الله وطاعته.
وكذلك: (لِمَن خافَ مَقامي وَخافَ وَعيد) ثبت الياء في المقام لاعتبار المعنى من جهة الملك، وحذفت في الوعيد لاعتباره ملكوتيا. فخاف المقام من جهة ما ظهر للأبصار، وخاف الوعيد من جهة إيمانه بالأخبار.
وكَذلك: (لَئِن أَخَرتَني إِلى يَومِ القيامَة) هو التأخير بالمؤاخذة لا التأخير الحسي، فهو على خير حال: (لَولا أَخَرَتَني إِلى أَجلٍ قَريب) لأن هذا تأخير حسي في الدنيا الظاهرةس.
وكذلك: (وَقُل عَسى أَن يَهدِينِ رَبّي لأَقرَبَ مِن هَذا رَشَداً) سياق الكلام في أمور محسوسة، والهداية فيه ملكوتيةس، وقد هداه الله في قصة الغار وهو في العدد ثاني اثنين حين خرج بدينه عن قومه بأقرب من طريق أهل الكهف حين خرجوا بدينهم عن قومهم وعددهم على ما قص الله علينا فيه. وهذه الهداية على غير حال ما قال موسى عليه السلام (عَسى رَبّي أَن يَهدِيَنَي سَواءَ السَبيل) فإنها هداية السبيل المحسوسة إلى مدين في عالم الملك. يدل عليه قول الله تعالى: (وَلَما تَوَجّهَ تِلقاءَ مَديَن).
وكذلك: (عَلى أَن تُعَلِمَنِ مِمّا عُلِمتَ رُشدا).