فصل


وإذا عرف الأصل الذي منه تفرع نزاع الناس في [ مسألة كلام الله ]، فالذين قالوا : مالا يسبق الحوادث فهو حادث مطلقًا، تنازعوا في كلام الله ـ تعالى.
فقال كثير من هؤلاء : الكلام لا يكون إلا بمشيئة المتكلم وقدرته، فيكون حادثًا كغيره من الحوادث، ثم قالت طائفة : والرب لا تقوم به الحوادث، فيكون الكلام مخلوقًا في غيره، فجعلوا كلامه مخلوقًا من المخلوقات، ولم يفرقوا بين قال وفعل. وقد علم أن المخلوقات لا يتصف بها الخالق، فلا يتصف بما يخلقه في غيره من الألوان والأصوات، والروائح والحركة، والعلم والقدرة، والسمع والبصر، فكيف يتصف بما يخلقه في غيره من الكلام، ولو جاز ذلك لكان ما يخلقه من إنطاق الجمادات كلامه، ومن علم أنه خالق كلام العباد وأفعالهم يلزمه أن يقول : كل كلام في الوجود فهو كلامه، كما قال بعض الاتحادية :
وكل كلام في الوجود كلامه ** سواء علينا نثره ونظامه
وهذا قول الجهمية والنجارية والضرارية وغيرهم؛ فإن هؤلاء / يقولون : إنه خالق أفعال العباد وكلامهم، مع قولهم : إن كلامه مخلوق، فيلزمهم هذا.
وأما المعتزلة فلا يقولون : إن الله خالق أفعال العباد، لكن الحجة توجب القول بذلك.


الصفحة التالية
Icon