فصل
و [ مسألة اللفظ بالقرآن ] قد اضطرب فيها أقوام لهم علم وفضل ودين وعقل، وجرت بسببها مخاصمات ومهاجرات بين أهل الحديث والسنة، حتي قال ابن قتيبة كلامًا معناه : لم يختلف أهل الحديث في شيء من / مذاهبهم إلا في [ مسألة اللفظ ]. و بين أن سبب ذلك لما وقع فيها من الغموض، والنزاع بينهم في كثير من المواضع لفظي، ولم يكن بين الناس نزاع في أن كلام العباد الذي لم ينزله الله ـ تعالى ـ أنه محدث مخلوق، وإن كان الكلام في [ حروف الهجاء ] وفي [ أسماء المحدثات ] فيه نزاع، هو الذي أوقع هؤلاء الجهال فيما ارتكبوه من المحال، كما سننبه عليه ـ إن شاء الله تعالى.
ولا يتسع هذا الجواب لشرح [ مسألة اللفظ ] مبسوطًا، ولكن ننبه عليه مختصرا فنقول : إن الله ـ تعالى ـ أرسل رسله وأنزل عليهم كتبه، وأمرهم أن يبلغوا إلي الناس ما أنزل الله عليهم من وحيه وكلامه، فمن الناس من آمن بالله ورسله وصدقهم فيما جاءوا به من عند الله وأطاعهم فيما أمروا به. وهؤلاء هم المؤمنون في كل وقت وزمان، و هم أهل الجنة والسعادة، كما قال تعالى :﴿ سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاء وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ﴾ [ الحديد : ٢١ ]، وقال تعالى :﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [ البقرة : ٦٢ ].
ومن الناس من كفر بهم وكذب، مثل الأمم الذين قص الله علينا أخبارهم من قوم نوح وعاد وثمود، وقوم لوط وأصحاب الأيكة وفرعون / ومشركي العرب، وكل من لم يؤمن بأصل الرسالة من الهند والبراهمة وغيرهم، والترك والسودان، وغيرهم من الأمم الأميين الذين لا كتاب لهم ـ سواء كانوا مكذبين للرسل أو معرضين عن اتباعهم ؛ فإن الكفر عدم الإيمان بالله ورسله، سواء كان معه تكذيب أو لم يكن معه تكذيب بل شك وريب، أو إعراض عن هذا كله حسدًا أو كبرًا، أو اتباعًا لبعض الأهواء الصارفة عن اتباع الرسالة، وإن كان الكافر المكذب أعظم كفرًا، وكذلك الجاحد المكذب حسدًا مع استيقان صدق الرسل، والسور المكية كلها خطاب مع هؤلاء.