فَصْل
ثم حدث في آخر عصر الصحابة [ القدرية ]، فكانت الخوارج تتكلم في حكم اللّه الشرعي، أمره ونهيه، وما يتبع ذلك من وعده ووعيده، وحكم من وافق ذلك ومن خالفه ومن يكون مؤمنًا وكافرًا، وهي [ مسائل الأسماء والأحكام ]، وسموا مُحَكّمة لخوضهم في التحكيم بالباطل، وكان الرجل إذا قال : لا حكم إلا للّه، قالوا : هو محكم أي خائض في حكم اللّه، فخاض أولئك في شرع اللّه بالباطل، وأما [ القدرية ] فخاضوا في قدره بالباطل.
وأصل ضلالهم ظنهم أن القدر يناقض الشرع، فصاروا حزبين حزبًا يعظمون الشرع والأمر والنهي والوعد والوعيد، واتباع ما يحبه اللّه ويرضاه وهجر ما يبغضه وما يسخطه، وظنوا أن هذا لا يمكن أن يجمع بينه وبين القدر، فقطعوا ما أمر اللّه به أن يوصل، ونقضوا عهد اللّه من بعد ميثاقه، كما قطعت الخوارج ما أمر اللّه به أن يوصل من اتفاق الكتاب والسنة وأهل الجماعة، ففرقوا بين الكتاب والسنة، وفرقوا بين الكتاب وجماعة المسلمين، وفرقوا بين المسلمين، فقطعوا ما أمر الله به أن يوصل، وكذلك [ القدرية ] فصاروا حزبين :
حزبًا يغلب الشرع فيكذب بالقدر وينفيه، أو ينفي بعضه.


الصفحة التالية
Icon