فهو إشارة إلى أن هذا النور، الذي صوَّره سبحانه بصورة المشكاة والمصباح والزجاجة الدرية؛ إنما هو مَثَلٌ، يقرب للإدراك المحدود طبيعة هذا النور حين يعجز عن تتبع مداه وآفاقه المترامية وراء الإدراك البشري الحسير. ويرسم له هذه الصورة المصغرة، التي يتأملها الحس، حين يقصر عن تملي الأصل؛ وإلا فإن نور الله سبحانه وتعالى لا يمكن إدراكه، ولا يمكن وصفه. وهو سبحانه العليم بطاقة البشر، وأن علمه محيط بالأشياء كلها صغيرها، وكبيرها، لا يغيب عن علمه شيء من ذلك.
نسأله سبحانه وتعالى أن يهدينا لنوره، ويسهل لنا السبيل للوصول إلى مرضاته، ومتابعة رسوله صلى الله عليه وسلم، إنه قريب سميع الدعاء مجيب، والحمد لله رب العالمين.
الأستاذ محمد إسماعيل عتوك
أستاذ لغة عربية في مدارس حلب
==============
بعض جوانب الإعجاز العلمي في سورة يوسف
أ. د / صلاح أحمد حسن
أستاذ العيون بكلية الطب جامعة أسيوط
ملاحظات عامة حول سورة يوسف عليه السلام
١/ السورة ذكرت في كتاب الله كاملة بنفس اسم بطل أحداثها - يوسف عليه السلام - لأن :
١- خط القصة الدرامي الأساسي متصل...
٢- القصة مكتملة البناء الدرامي، من حيث التمهيد، ثم الثروة، ثم الانفراج...
٣- وقائع القصة وأماكن حدوثها محددة...
٤- أحداثها لا تمثل صراعاً عقائدياً ( مثل فرعون / موسى)، ولكن صراعاً سلوكياً داخل أفراد الأسرة الواحدة..
٥- ولأن شخصيتها المحورية والثانوية معدودة ( يعقوب / يوسف / الإخوة / عزيز مصر وامرأته، صاحبا السجن / الملك).
٢/ الإشارة القرآنية المعجزة إلى ذكر القصة في كتاب الله بالعربية ( لكون أبطالها لا يتكلمون العربية)، لتكون وقائعها، والعبر المستخلصة منها، في غاية الوضوح :﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآَناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ [يوسف : ٢].
٣/ ولأن الهدف الأساسي من سورة يوسف هو العظة والعبرة، فقد حوت العديد من قواعد العلوم : طب، علم نفس، زراعة، إدارة، اجتماع، قانون، تشريع، عقيدة، وغيرها..
٤/ السورة بلغت الإعجاز في النهاية الدرامية : فبعض الشخصيات ذكرت في نهاية مطافها ( كيعقوب وإخوة يوسف)، وبعض النهايات تركت مفتوحة (كيوسف وامرأة العزيز).
٥/ يجب ملاحظة أن إخوة يوسف - برغم كل ما ارتكبوه من جرائم - كانوا مسلمين، لقوله تعالى :﴿ أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آَبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهاً وَاحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ﴾ [البقرة : ١٣٣].
• لماذا هو أحسن القصص ؟
يقول الله تعالى :﴿ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ... ﴾ [يوسف : ٣]، فلماذا هو أحسن القصص ؟
١/ - لأنه من عند الله تعالى رب العالمين :﴿ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ ﴾.
٢/ - ولأنه عبرة لأصحاب العقول :﴿ لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي ﴾ [يوسف : ١١١]
٣/ - ولأن فيه صدق الحديث، والحدث، والأحداث :﴿ مَا كَانَ حَدِيثاً... ﴾ [يوسف : ١١١].
٤/ - ولأن فيه التفصيل والإحاطة بجوانب كثيرة ( اجتماع - علم نفس - طب - قانون - اقتصاد - سياسة - غدارة - دين - أخلاق) :﴿ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى ﴾ [يوسف : ١١١].
٥/ - ثم الهدى والرحمة للمؤمنين :﴿... وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ [يوسف : ١١١].
أولاً : يعقوب عليه السلام :
* تحذير يوسف عليه السلام من قصّ رؤياه على إخوته :﴿ قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ ﴾ [يوسف : ٥]، لأسباب عديدة :
أ- لأن الإخوة ليسوا أشقاء :﴿ إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ ﴾.
ب- لتدلل يوسف على أبيه الشيخ الكبير ( عمر يوسف كان وقتها ما بين : ٨-١٠ سنوات) :﴿ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا ﴾ [يوسف : ٨].
ج- لتواجد يوسف الدائم مع أبيه وعدم قيامه بالرعي مع إخوته :﴿ قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ ﴾ [يوسف : ١٣].
* الأدب النبوي في رد المكائد إلى الشيطان :﴿ إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ ﴾ [يوسف : ٥].
* النبوءة :
أ- ببشارة النبوة :﴿ وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ ﴾ [يوسف : ٦].
ب- وكذا علم تفسير الأحلام :﴿ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ ﴾ [يوسف : ٦].
ج- وإتمام نعمة النبوة على آل يعقوب وختماً بيوسف :﴿ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آَلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ ﴾ [يوسف : ٦].
* الإيحاء لأبنائه بالذئب :﴿ قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ ﴾ [يوسف : ١٣].
* موقف يعقوب من محنة يوسف عليهما السلام :
أ- فراسة المؤمن :﴿ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً ﴾.