أما " الصمد " فقد جاء معرفة في الآية الثانية لأن " الله الصمد " مبتدأ وخبر.. وجاءا معرفتين ليطابقا " هو الله " في الآية الأولى.. وقد جاء تعريف " الله الصمد " ليدل على الحصر أيضاً.
فقوله " هو الله أحد " يدل على الحصر لتعريف المبتدأ والخبر ( الأحدية محصورة بالله ).
وقوله " الله الصمد " يدل على الحصر أيضا لتعريف المبتدأ والخبر ( والصمدانية محصورة بالله ).
===================
٥) ( سلام ) على يحيى و ( السلام ) على عيسى عليهما الصلاة والسلام..
قال تعالى في سورة مريم :" يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَءَاتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا(١٢)وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيًّا(١٣)وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا(١٤)وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا(١٥) ".
أما سيدنا عيسى عليه السلام :" قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ ءَاتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا(٣٠)وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا(٣١)وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلنِي جَبَّارًا شَقِيًّا(٣٢)وَالسَّلَامُ عَليَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا(٣٣)َ ".
وحكمة مجيء ( سلام ) نكرة في سياق قصة سيدنا يحيى علية السلام : أن ذلك جاء في سياق تعداد نعم الله تعالى على سيدنا عيسى وإخبار من الله جل جلاله بأنه قد منح سيدنا يحيى ( سلاما ) كريما في مواطن ثلاثة: يوم ولادته، ويوم موته، ويوم بعثه حيا في الآخرة.
أما ( السلام ) في قصة سيدنا عيسى عليه السلام جاء معرفة : لأن لفظ ( السلام ) هو كلام من سيدنا عيسى حيث دعا ربه أن يمنحه السلام في ثلاثة مواطن : يوم ولادته، ويوم موته، ويوم بعثه حيا في الآخرة.
فبما أن سيدنا عيسى هو الذي دعا، فمن المؤكد أنه سيُلح في الدعاء كما هي السُنة فيطلب المعالي.. فلذلك عرّف السلام دلالة على أنه يريد السلام الكثير العام الشامل الغزير.
وهنا إشارة إلى أن السلام الذي حصل عليه سيدنا عيسى كان أخص من السلام الذي حصل عليه سيدنا يحيى، وأن سيدنا عيسى أفضل من سيدنا يحيى فهو من أولي العزم صلى الله عليهما وسلم
======================
٦) دلالة تكرار الاسم في نفس الموضع
عندما يكون الاسمان المكرران معرفتين.. دل على أن الأول هو نفس الثاني ـ غالبا ـ ليدل على المعهود.
مثال ذلك قوله تعالى في سورة الفاتحة: " اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ(٦)صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ.. ".
فالصراط في المَوضع الأول معرفة بأل.. وبالثاني معرفة بالإضافة..
والمراد بالاسم الأول الاسم الثاني.. فصراط الذين أنعم الله عليهم هو نفس الصراط المستقيم.
وانظر: الصافات ١٥٨، والزمر٢-٣، وغافر ٩.
أما إذا كان الاسمان المكرران نكرة.. فإن الأول غير الثاني ـ غالبا ـ لأن تكرار النكرة يدل على تعددها.. فالنكرة الأولى غير النكرة الثانية.
مثال ذلك قوله تعالى في سورة سبأ: " وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ... ".
فالشهر الثاني غير الشهر الأول.. ويكون المجموع شهران.
كل هذا مقدمة لتوضيح الإعجاز البياني في سورة الشرح عند تفسير قوله تعالى :" فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا(٥)إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا(٦) ".
" العُسر " مكرر وهو عسر واحد ( العسر الأول هو العسر الثاني فكلاهما معرفة ).
" يُسر " مكرر ولكنهما يسران ( اليسر الأول غير اليسر الثاني فكلاهما نكرة ).
إن السورة الكريمة تأتي في سياق يتحدث عن تبشير أصحاب الابتلاء والمحنة والضيق والعسر.. بأن ذلك كله سيزول.. وسيحل اليسر مكانه مضاعفا..
إن مقصد هذه السورة بعث الأمل في صدر سيدنا محمد ﷺ وأتباعه من الدعاة المبتلين وتخفيفا عنهم وبعث الأمل في نفوسهم.
ولذلك جاءت نسبة العسر إلى اليسر واحد إلى اثنين ( ٢: ١ ) حتى ينتظر المسلم المبتلى اليسرَ بأمل عريض وصبر جميل.
وقد ورد في الأثر " لن يغلب عسر يسرين ".
قال الشاعر العتبي:
ألا يا أيها المرء الذي الهم به برح
إذا اشتدت بك البلوى ففكر في " ألم نشرح "
فعسر بين يسرين إذا أبصرته فافرح
وهذا دليل على فهم العرب للإعجاز البياني في القرآن الكريم على السليقة.
==========================
٧) " تسطع " و " تسطع "، " اسطاعوا " و " استطاعوا"
ذكر الله تعالى في قصة سيدنا موسى عليه السلام مع الخضر في سورة الكهف ثلاثة أحداث أثارت اعتراض سيدنا موسى وهي خرق السفينة وقتل الغلام وبناء الجدار بدون أجر.. وقبل أن يفارق الخضر سيدنا موسى ذكر له الحكمة من الثلاثة أفعال... ولكنه قبل أن يؤوِّل سببها قال له: " هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا(٧٨)".
وبعدما أول لسيدنا موسى الأحداث قال له: " ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا(٨٢) "