إضافة: يمكن أن نضيف من المعاني إلى ذلك أن هذا الرجل قد جاء منمكان بعيد متجشما عناء الطريق ليؤمن ويدعو إلى الله، أما هؤلاء القريبين من الرسل الذين تصلهم الدعوة بلا عناء فهم ل يبالون بها ولا يحسنون قبولها.
المصدر: موقع لمسات بيانية على الرابط التالي :
http://www.lamasaat. ٨m.com/
=============
لمسات بيانية من سورتي المعارج والقارعة
بقلم الدكتور فاضل السامرائي
قال تعالى في سورة المعارج :(وتكون الجبال كالعهن ٩)
وقال في سورة القارعة :(وتكون الجبال كالعهن المنفوش ٥)
فزاد كلمة (المنفوش) في سورة القارعة على ما في المعارج، فما سبب ذاك؟
والجواب :
١- أنه لما ذكر القارعة في أول السورة، والقارعة من (القَرْعِ)، وهو الضرب بالعصا، ناسب ذلك ذكر النفش، لأن من طرائق نفش الصوف أن يُقرعَ بالمقرعة.
كما ناسب ذلك من ناحية أخرى وهي أن الجبال تهشم بالمقراع (وهو من القَرْع) وهو فأس عظيم تُحَطَّم به الحجارة، فناسب ذلك ذكر النفش أيضاً.
فلفظ القارعة أنسب شيء لهذا التعبير.
كما ناسب ذكر القارعة ذكر (الفراش المبثوث) في قوله :(يَوْمَ يكونُ النّاسُ كالفَراشِ المبثوثِ) أيضاً؛ لأنك إذا قرعت طار الفراش وانتشر. ولم يحسن ذكر (الفراش) وحده كما لم يحسن ذكر (العهن) وحده.
٢- إن ما تقدم من ذكر اليوم الآخر في سورة القارعة، أهول وأشد مما ذكر في سورة المعارج فقد قال في سورة المعارج :(تَعْرُجُ الملائكَةُ والرّوحُ إلَيْهِ في يَومٍ كانَ مِقدارُهُ خمَسينَ ألفَ سَنَةٍ. فاصبِرْ صَبراً جمَيلاً. إنهُمْ يَرونَهُ بَعيداً. وَنَراهُ قَريباً) وليس متفقاً على تفسير أن المراد بهذا اليوم، هو اليوم الآخر.
وإذا كان المقصود به اليوم الآخر فإنه لم يذكر إلا طول ذلك اليوم، وأنه تعرج الملائكة والروح فيه.
في حين قال في سورة القارعة :(القارعة. مَا القارِعَةُ. وَما أدْراكَ ما القارِعَةُ) فكرر ذكرها وعَظَّمها وهوَّلها. فناسب هذا التعظيم والتهويل أن يذكر أن الجبال تكون فيه كالعهن المنفوش.
وكونها كالعهن المنفوش أعظم وأهول من أن تكون كالعهن من غير نفش كما هو ظاهر.
٣- ذكر في سورة المعارج أن العذاب (واقع) وأنه ليس له دافع (سَألَ سائلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ. للكافِرينَ لَيْسَ لَهُ دافِع) ووقوع الثقل على الصوف من غير دفع له لا ينفشه بخلاف ما في القارعة، فإنه ذكر القرع وكرره، والقرع ينفشه وخاصة إذا تكرر، فناسب ذلك ذكر النفش فيها أيضاً.
٤- التوسع والتفصيل في ذكر القارعة حسَّن ذكرَ الزيادة والتفصيل فيها، بخلاف الإجمال في سورة المعارج، فإنه لم يزد على أن يقول :"في يَومٍ كانَ مِقدارُهُ خمَسينَ ألفَ سَنَةٍ ".
٥- إن الفواصل في السورتين تقتضي أن يكون كل تعبير في مكانه، ففي سورة القارعة قال تعالى:"يَوْمَ يَكونُ النّاسُ كالفَراشِ المبثوث. وَتَكونُ الجِبالُ كالعِهنِ المنفوشِ". فناسبت كلمة (المنفوش) كلمةَ (المبثوث).
وفي سورة المعارج، قال :(يَوْمَ تكونُ السّماءُ كالمهُلِ. وَتَكونُ الجِبالُ كالعِهنِ) فناسب (العهن) (المهل).
٦- ناسب ذكر العهن المنفوش أيضاً قوله في آخر السورة :(نار حامية) لأن النار الحامية هي التي تُذيبُ الجبالَ، وتجعلها كالعهن المنفوش، وذلك من شدة الحرارة، في حين ذكر صفة النار في المعارج بقوله: "كلا إنها لظى. نَزّاعة للشّوَى". والشوى هو جلد الإنسان.
والحرارة التي تستدعي نزع جلد الإنسان أقل من التي تذيب الجبال، وتجعلها كالعهن المنفوش، فناسب زيادة (المنفوش) في القارعة من كل ناحية. والله أعلم.
٧- كما أن ذكر النار الحامية مناسب للقارعة من ناحية أخرى، ذلك أن (القَرَّاعة) - وهي من لفظ القارعة - هي القداحة التي تُقدح بها النار.
فناسب ذكر القارعة ذكر الصوف المنفوش، وذكر النار الحامية، فناسب آخر السورة أولها.
وبهذا نرى أن ذكر القارعة حسَّنَ ذكر (المبثوث) مع الفراش، وذكر (المنفوش) مع الصوف، وذكر النار الحامية في آخر السورة.
والله أعلم.
المصدر كتاب (لمسات بيانية في نصوص من التنزيل) للدكتور فاضل السامرائي
http://www.lamasaat. ٨m.com/
==============
إعجاز القرآن اللفظي
بقلم الدكتور فاضل السامرائي
إن إعجاز القرآن أمر متعدد النواحي متشعب الاتجاهات، ومن المتعذر أن ينهض لبيان الإعجاز القرآني شخص واحد ولا حتى جماعة في زمن ما مهما كانت سعة علمهم وإطلاعهم وتعدد اختصاصاتهم، إنما هم يستطيعون بيان شيء من أسرار القرآن في نواح متعددة حتى زمانهم هم، ويبقى القرآن مفتوحاً للنظر لمن يأتي بعدنا في المستقبل ولما يجدّ من جديد. وسيجد فيه أجيال المستقبل من ملامح الإعجاز وإشاراته ما لم يخطر لنا على بال.
وأضرب مثلاً لتعدد نواحي الإعجاز، فإني سمعت وقرأت لأشخاص مختصين بالتشريع والقانون يبيّنون إعجاز القرآن التشريعي، ويبينون اختيارات الألفاظ التشريعية في القرآن ودقتها في الدلالة على دقة التشريع ورفعته ما لا يصح استبدال غيرها بها، وإن اختيار هذه الألفاظ في بابها أدق وأعلى مما نبيّن نحن من اختيارات لغوية وفنية وجمالية.


الصفحة التالية
Icon