ونقل السيوطي في الإتقان في علوم القرآن قوله: اختلف أهل العلم في وجه إعجاز القرآن.. فذكروا في ذلك وجوهاً كثيرة كلها حكمة وصواب وما بلغوا في وجوه إعجازه جزءاً واحداً من عشرة معشاره فقال قوم: هو الإيجاز مع البلاغة، وقال آخرون: هو البيان والفصاحة، وقال آخرون: هو الرصف والنظم، وقال آخرون: هو كونه خارجاً عن جنس كلام العرب من النظم والنثر والخطب والشعر مع كون حروفه في كلامهم ومعانيه في خطابهم وألفاظه من جنس كلماتهم، وهو بذاته قبيل غير قبيل كلامهم وجنس آخر عن أجناس خطابهم حتى إن من اقتصر على معانيه وغير حروفه أذهب رونقه، ومن اقتصر على حروفه وغير معانيه أبطل فائدته، فكان في ذلك أبلغ دلالة على إعجازه، وقال آخرون: هو كون قارئه لا يكل وسامعه لا يمل وإن تكررت عليه تلاوته، وقال آخرون: هو ما فيه من الإخبار عن الأمور الماضية، وقال آخرون: هو ما فيه من علم الغيب والحكم على الأمور بالقطع، وقال آخرون: هو كونه جامعاً لعلوم يطول شرحها ويشق حصرها.
وقال الزركشي في البرهان: أهل التحقيق على أن الإعجاز وقع بجميع ما سبق من الأقوال لا بكل واحد على انفراده، فإنه جمع ذلك كله فلا معنى نسبته إلى واحد منها بمفرده مع اشتماله على الجميع؛ بل وغير ذلك مما لم يسبق، فمنها: الروعة التي له في قلوب السامعين وأسماعهم سواء المقر والجاحد، ومنها: أنه لم يزل ولا يزال غضاً طرياً في أسماع السامعين وعلى ألسنة القارئين، ومنها: جمعه بين صفتي الجزالة والعذوبة، وهما كالمتضادين لا يجتمعان -غالباً- في كلام البشر، ومنها: جعله آخر الكتب غنياً عن غيره وجعل غيره من الكتب المتقدمة قد يحتاج إلى بيان يرجع فيه إليه، كما قال تعالى: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرائيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ [النمل: ٧٦].
فإذن القرآن معجز من حيث تركيبه ومعانيه معاً، ولذلك يفعل في النفوس من التأثير ما لا يفعله غيره. قال الخطابي: وقد قلت في إعجاز القرآن وجهاً ذهب عنه الناس وهو: صنيعه في القلوب وتأثيره في النفوس، فإنك لا تسمع كلاماً غير القرآن منظوماً ولا منثوراً إذا قرع السمع خلص له إلى القلب من اللذة والحلاوة في حال ومن الروعة والمهابة في حال آخر ما يخلص منه إليه، قال الله تعالى: لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ [الحشر: ٢١].
وقال تعالى: اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ [الزمر: ٢٣].
والله أعلم.
=============
نزول بعض القرآن في مكة وبعضه في المدينة... ليس من الإعجاز
تاريخ الفتوى :…١٥ رمضان ١٤٢٣ / ٢٠-١١-٢٠٠٢
السؤال
من إعجاز القرآن الكريم أن سورا قد نزلت في مكة وأخرى في المدينة المنورة وما هو السبب على ذلك والدليل من القرآن والسنة النبوية
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالقرآن الكريم منه ما نزل بمكة ومنه ما نزل بالمدينة، ولكن هذا ليس من الإعجاز وإنما الإعجاز في ألفاظه ومعانيه.. في بلاغتها ووضوحها وأخذها بمجامع القلوب..
أما سبب كون بعض السور قد نزل بمكة والبعض الآخر نزل بالمدينة فواضح جداً، حيث إن النبي ﷺ قد هاجر من مكة إلى المدينة فانتقل مهبط الوحي، وأما دليل ذلك فأوضح من أن يذكر حيث إن هجرة النبي ﷺ من مكة إلى المدينة مقطوع بها، ونزول القرآن عليه في الفترتين مقطوع به أيضاً!!!
والله أعلم.
============
المحكي في القرآن على لسان الأقوام هو المعنى لا النص
تاريخ الفتوى :…١٠ ربيع الأول ١٤٢٧ / ٠٩-٠٤-٢٠٠٦
السؤال
سؤال
لطالما حيرني وهو أن الله عز وجل تحدى العرب والعجم على أن يأتوا بمثله (القرآن) أو بعشر سور أو سورة... ولفت انتباهي أن بعض الآيات في القرآن قيلت على لسان الأنبياء وبعضها على لسان الصحابة وبعضها على لسان الكفار كقوله تعالى :" قال من يحيي العظام..." وقوله :"وقال فرعون ذروني أقتل..." وغيرها كثير. إن كان كذلك فهل في القرآن آيات قيلت بالنص الحرفي من كلام البشر ؟ فإن وجد كيف نوفق بأنه كلام الله عز وجل وفيه بعض كلام البشر ؟ أرجو توضيحا لذلك مع إيراد الأدلة المقنعة إن تكرمتم. وبارك الله فيكم ونفع بكم.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا داعي للقلق والحيرة، فالقرآن الكريم هو كلمة الله الأخيرة إلى الناس كافة، وهو ختام وحي السماء، ومجمع هدي الأنبياء، ومعجزة الرسول الصادق المصدوق.


الصفحة التالية
Icon