وإعجاز القرآن الكريم يتمثل في أوجه كثيرة منها بلاغته وأسلوبه، كما يتمثل في صدق أخباره عن الماضي، وإخباره عن المغيبات، وفي تشريعاته وتربيته وتزكيته للنفوس وغير ذلك من أوجه الإعجاز الفلكية والطبية، فهو كتاب هداية وإعجاز، وما أشار إليه السائل هو من باب إخبار القرآن الكريم عن أولئك القوم وبيان قصصهم لأخذ الدروس والعظات والعبر منها، والرد على حججهم الباطلة وشبههم الواهية بالأدلة القاطعة والبراهين الواضحة؛ كما قال تعالى: وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً ﴿الفرقان: ٣٣﴾ وقال: وَكُلّاً نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ﴿هود: ١٢٠﴾
وقد حكى لنا القرآن الكريم الكثير من أقوال الصالحين والطالحين على اختلاف أزمنتهم وأمكنتهم ولغاتهم بأسلوب عجيب لا يمكن للناس أن يأتوا بمثله.
وحكاية القرآن الكريم لأقوال أولئك الأقوام ليس معناه أنهم يمكن أن يأتوا بمثل القرآن، ولهذا فإن بلغاء العرب الذين حكى القرآن بعض أقوالهم لم يستطيعوا أن يحاكوا القرآن فوقفوا عاجزين مقرين بأنه ليس من كلام البشر، وقصصهم في هذا كثيرة عجيبة لا يتسع المقام لذكرها، نرجو أن تطلع عليها في كتب علوم القرآن وغيرها، والحاصل أن المكحي هو معنى ما قالوا وليس نصه، والفرق واضح بين.
والله أعلم.
==============
مثال عما ورد في القرآن من وصف الجمع بمفرد ووصف المفرد بجمع
تاريخ الفتوى :…٠٩ محرم ١٤٢٧ / ٠٨-٠٢-٢٠٠٦
السؤال
هل ورد في القرآن الكريم (الصفة مفردة والموصوف جمعاً، أو الموصوف مفرداً والصفة بصيغة الجمع)؟ وجزاكم الله خيراً ونفع بكم.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الأصل في الصفة مطابقتها للموصوف في التوحيد والجمع، ويجب ذلك إذا رفعت الصفة ضميراً مستتراً، وتخالف الصفة الموصوف إذا رفعت اسما ظاهراً كالفعل تماما. ولذلك قال ابن مالك في ألفيته:
وهو لدى التوحيد والتذكير أو**** سواهما كالفعل فاقف ما قفوا
قال ابن عقيل مفسرا لذلك: تقدم أن النعت لا بد من مطابقته للمنعوت في الإعراب والتعريف أو التنكير، وأما مطابقته للمنعوت في التوحيد وغيره.... فحكمه فيها حكم الفعل فإن رفع ضميراً مستتراً طابق المنعوت مطلقاً نحو: زيد رجل حسن والزيدان رجلان حسنان والزيدون رجال حسنون..... فيطابق... كما يطابق الفعل. وإن رفع اسما ظاهراً فإنه يجري مجرى الفعل في ذلك فيكون مفرداً فتقول: مررت برجل حسنة أمه، كما تقول: حسنت أمه وبامرأتين حسن أبواهما وبرجال حسن آباؤهم: كما تقول: حسن أبواهما وحسن آباؤهم وهكذا. انتهى منه بتصرف.
ومما وقفنا عليه من ذلك في كتاب الله تعالى فلم تطابق فيه الصفة موصوفها ما ذكره أئمة التفسير واللغة في توجيه قراءة (كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِّنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا) قال ابن منظور: وجوز أبو البقاء كونه حالا من قطعا أو صفة له، وكان الواجب الجمع لأن قطعا جمع قطعة إلا أنه أفردت حاله أو صفته لتأويل ذلك بكثير.
هذا من وصف الجمع بمفرد، وأما العكس وهو وصف المفرد بجمع فمنه قوله تعالى (وأرسلنا الريح لواقح) في قراءة حمزة. قال القرطبي: (وأرسلنا الرياح) قراءة العامة (الرياح) بالجمع. وقرأ حمزة بالتوحيد، لأن معنى الريح الجمع أيضاً وإن كان لفظها لفظ الواحد.... كما يقال: أرض سباسب وثوب أخلاق. وكذلك تفعل العرب في كل شيء اتسع. وأما وجه قراءة العامة فلأن الله تعالى نعتها بلواقح وهي جمع.
وقد بين الطبري في كلمة جميلة سبب تنويع أساليب اللغة العربية في الإسناد بين المفرد والجمع وغيره فقال: من شأن العرب التأليف بين الكلامين إذا تقارب معنياهما وإن اختلفا في بعض وجوههما، فلما كان ذلك كذلك وكان مستفيضاً في منطقها منتشراً مستعملا في كلامها: ضربت من عبد الله وعمرو رؤوسهما وأوجعت منهما ظهورهما، وكان ذلك أشد استفاضة في منطقها من أن يقال: أوجعت منهما ظهريهما وإن كان مقولا.
وهذا الأمر يحتاج إلى استقصاء واستقراء تام لأوجه القراءات وتخريجها. والموقع مشغول عن ذلك، والمهم هنا بيان جواز ذلك ووقوعه في القرآن، ولا عجب فهو جار على أساليب اللغة آت ببدائعها. وللاستزادة انظر كتب علوم القرآن كالإتقان والبرهان ومناهل العرفان وجواهر القرآن وغيرها. والله أعلم.
============
بلاغة القرآن وسمو معانيه لا تتفاوت
تاريخ الفتوى :…١١ ذو القعدة ١٤٢٦ / ١٢-١٢-٢٠٠٥
السؤال
السؤال: ما هي أبلغ سورة أخبر عنها الرسول ﷺ في القرآن ؟
وجزاكم الله كل الخير.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم نقف على خبر عن النبي ﷺ يفيد بأن سورة معينة من القرآن أبلغ من غيرها.